يوم أمس كانت فرصة أعدها ثمينة بلقاء أحد المُدرِّبين المعتمدين في التعلُّم السريع ودار بيننا حديثٌ شائق عن استخدام الإيجابيَّة في التعلُّم السريع. ولا أخفيكم سراً أنني ذهلت من حجم الإيجابيات التي يأمل من إنجازها خلال دورة الممارس المعتمد في التعلُّم السريع.
وفي المساء وقبل كتابة هذا المقال تلقيت اتصالاً من أحد المُتدرِّبين، يشكو فيه وضع المناخ الصفي لدورة التعلُّم السريع التي يحضرها حيث يشكو بعض الممارسات الخاطئة في هذه الدورة والمفاجأة أن مصدرها بعض المُتدرِّبين، ما دفع أحدهم إلى أن يذهب ليعبّر للمنظمين الإداريين عن هواجسه تجاه ما يحدث، وكذلك ذهب مُتدرِّب آخر إلى المُدرِّب أيضاً بغرض تصحيح المسار.
بالطبع لم يكن منشأ الحديث في المساء هو توجيه أصابع الاتهام والتقصير إلى المُتدرِّبين، وإن كان يترتب عليهم قدر من المسؤوليَّة حتما، ولكن المسألة أكبر من ذلك بكثير، فإذا كان المُتدرِّبون مقصرين بعذر أو بغير عذر، فأين هو دور منظمي الدورة، وأين دور المُدرِّب في تقديم المناخ الصفي المتكامل إيجابياً بشكلٍ حقيقي.
دوراتنا التدريبيَّة بشكلٍ عام، ودورات التعلُّم السريع بوجه خاص كثير منها هي في حاجةٍ ماسةٍ إلى تغيير المناخ العام، وحان الوقت لتجاوز النظرة التقليديَّة إلى التعلُّم والتدريب، فالتعلُّم ليس مختزلاً في لوحةٍ وصفٍّ ومتعلمين، اليوم نحن على هذا المستوى حققنا تقدما غير مسبوق، ومركز دبي للتعلُّم السريع كان رائداً في ذلك. ولكن هذا النجاح يقابله إخفاق غير مُسوِّغ على صعيد تهيئة البيئة التدريبيَّة الإيجابيَّة النموذجية لدورات التعلُّم السريع، فالساعات الثلاثون أو الخمسون التي يقضيها المُتدرِّب تتطلَّب رعاية من نوع خاص، لأن بيئات التدريب هي الحاضنات التعلُّميَّة الأهم، وهي مصدر الاتجاهات النفسيَّة والسلوكيَّة للمُتدرِّبين.
لنتعرف على إيجابيات تُستخدَم في التعلُّم السريع:
ولكن لابد أولاً من إلقاء الضوء على مفهوم الإيجابيَّة، فما نعنيه بكلمة الإيجابيَّة؟ هو تمثل تلك الطاقة الجبارة، التي تتولد لدى الشخص وتملأ عليه كيانه ومن ثم تدفعه إلى العمل الجاد الدؤوب من أجل الوصول إلى الهدف، متخطيًّا كل العوائق التي تعترض طريقه.
الإيجابيَّة ثورة داخل نفس الإنسان إذا حلت قادت وحرَّكت وفجرت الطاقات التي في داخله ليبدع وينتج ويقدم عطاء ليس له حدود. إذًا فالإيجابيَّة هي الصفة التي تجعل الإنسان مقبلاً على الدنيا بعزيمة وصبر لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت واشتدت، ولا تصرفه وفق هواها، إنه هو الذي يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه وهو يتصدى لها.
ومن هنا نجد أن نتائج تطبيق الأدوات والتقنيات التي تشكّل بيئة حياتنا تظهر آثارها في سلوكنا، وأعمالنا لذا جاءت حتمية تضمين الإيجابيَّة في كل محاور برامج التعلُّم السريع وأبعاده، إذ إن التعلُّم السريع في الدرجة الأولى النتيجة التي يتم الوصول إليها، وليس الوسيلة المستخدمة.
تصنيف الإيجابيات المستخدمة في التعلُّم السريع:
الإيحاءات الإيجابيَّة:
يخفي الكثير من الناس مشاعر سلبيَّة تجاه عمليَّة التعلُّم، حيث يختزنون في اللاوعيهم صورة التعليم الرسمي، ويربطونها بالألم والضغط النفسي والإذلال وتقييد الحريَّة. وحتى بغير ذلك مما لا يمكن أن يخطر ببال. فإذا لم يتمكَّن المُتدرِّبون من إزالة هذه الافتراضات السلبيَّة واستبدال أخرى إيجابيَّة بها تجاه ما سيكتسبونه من خبرات ومعرفة جديدة، فلن يكتب لهم النجاح في التعلُّم.
إن افتراضاتنا المُسبَقة قادرة على تلوين تجربتنا الجديدة أو حتى تلوين هذه التجربة. ومن ثمَّ تميل الافتراضات السلبيَّة إلى جعل التجربة سلبيَّة، والعكس بالعكس. يحدث أحيانا أن يخرِّ ب المُدرِّب كامل العمليَّة التعليميَّة دون أن ينتبه إلى ذلك، وذلك عندما يزرع الإيحاءات السلبيَّة في جو المُتدرِّبين. يمكن أن يحدث ذلك ببساطة إذا قال المُدرِّب أيا من الأشياء الآتية:
لدينا الكثير من العمل والقليل جدا من الوقت موضوع اليوم ليس من السهولة بمكان وربما لن تفهموا ما سأقوله الآن، ولكن حاولوا أن تتعلَّموه.
هل يمكن أن تتخيَّلوا الإعاقة التي يمكن أن تنتج عن استخدام أي من هذه العبارات؟ أين متعة التعلُّم من هذا كله؟ لا بد من أن يحذر المُدرِّبون ومساعدو المُدرِّبين من بذر السلبيَّة في الجو، وأن يسعوا جهدهم إلى أن يستبدلوا بذلك الإيحاءات الإيجابيَّة. إليكم فيما يأتي بعض المقترحات عن إيحاءات إيجابيَّة يمكن استخدامها في قاعة التدريب:
- بعد أن ننتهي من دراسة هذا الموضوع، سوف تتمكَّنون من...
- سوف تستمتعون بدراسة ما يأتي...
- سيكون هذا الموضوع مفيدا جدا لكم.
- سوف تحبون ما سيمكِّنكم هذا الدرس من فعله.
- أعرف أنكم سوف تتعلَّمون هذا الموضوع بكفاءة، لقد رأيت مُتدرِّبين مثلكم يتعلَّمونه، وقد أحدث تبدلاً رائعا في حياتهم.
لا بد من الانتباه هنا إلى ضرورة الابتعاد عن تقديم إيحاءات "إيجابيَّة" من النوع غير القابل للتصديق أو السخيف أو الطائش أو غير ممكن التحقيق. فلا بد من الأمانة والصدق، وتوخي الدقة قدر المستطاع، والتأكُّد من البعد عن الوعود الفارغة. كقاعدة عامة، عندما ننجح في زرع البيئة الإيجابيَّة، نحصل على نتائج أكثر إيجابيَّة. وعندما نتمكن من استبدال الافتراضات الإيجابية بالافتراضات المُسبَقة السلبيَّة، فإن إحساسا بالمتعة والترابط سيسيطر على الجو، ويؤدي إلى تسريع التعلُّم ورفع وتيرته.
البيئة الماديَّة الإيجابيَّة:
يمكن أن تنبع الإيحاءات (إيجابيَّة كانت أم سلبيَّة) من الجو المحيط بالمُتدرِّبين ومن بيئة العمل التي نقدمها إليهم. فعلى سبيل المثال، يمكن للشكل التقليدي لغرفة الصف، والذي توارثناه منذ القرن التاسع عشر أن يطلق أكثر الرسائل سلبيَّة. فهو يعيد إلى أذهان المُتدرِّبين الشكل الكلاسيكي للتعليم، المؤلم والبعيد عن الإنسانيَّة. ويمكن أن توحي غرفة الصف التقليديَّة بالتشكيل العسكري، والتعليم الميكانيكي المتمحور حول المُعلِّم والملل والاحتجاز، والتعلُّم عن طريق "امتصاص" معرفة شخص ما، عوضاً من بناء معرفتك الخاصة. إن اتسمت القاعة التدريبيَّة بهذه السِّمات، فإنها ستطلق وبشكل مستمر مشاعر سلبيَّة يتلقفها المُتدرِّبون (في الوعي واللاوعي)، وسيكون تأثيرها السلبي على العمليَّة التدريبيَّة برمتها أمراً محتماً.
من المُؤكَّد أن أيا مما يمكن أن تفعله للابتعاد عن الشكل التقليدي لغرفة الصف سوف يترك أثراً إيجابياً وسيساهم في زيادة الطاقة والنشاط لدى المُتدرِّبين. هنالك الكثير مما يمكن القيام به لتحقيق ذلك، يمكن الابتعاد عن وضع المقاعد في صفوف عن طريق وضعها في تجمعات، أو عن طريق تقسيم القاعة إلى أجزاء وفقا للنشاط: مقاعد بترتيب المسرح للعروض، وطاولة مستديرة للنشاطات الجماعية، وتجمعات على شكل محطات من أجل التمارين المختلفة، وهكذا.
من المفيد أيضاً أن نقوم بهندسة غرفة الصف وتزيينها باستخدام ما يمكن أن نطلق عليه اسم الإضافات، وهي كل ما يضفي على قاعة التدريب ألوانا أو جمالاً أو إثارةً للاهتمام، ويحتوي كلما أمكن ذلك على معلومات وثيقة الصلة بموضوع التدريب. إليك بعض الأفكار عما يمكن أن يمثِّل إضافات مفيدة إلى قاعة التدريب. وعلينا الانتباه من الإفراط في استخدام الإضافات، كما أن علينا أحيانا أن نغيِّرها بتغيُّر مجموعات التدريب أو موضوع التدريب.
المقترحات:
- أشياء تعلَّق على الحائط من ألواح كتابة مغناطيسية أزهار ونباتات زينة وأغطية ملونة للطاولات ومواد تعليميَّة إضافيَّة وملابس خاصة ومخططات ورسومات ضخمة كل أنواع الزينة وشاشات عرض ونماذج مصغرة لأبنية أو مواقع عمل ألعاب شموع.
- اختيار سمات خاصة للدورات تعطي أفكارا كثيرة عن كيفيَّة تنظيم قاعة التدريب. حيث يمكن أن تبدو كشاطئ أو قاعة محكمة أو ملعب رياضي أو سفينة أو حديقة أو غير ذلك...
- يمكن أن تؤدي الموسيقى دورا مهما في جعل البيئة أكثر حميمية و قربا من المشاركين، يمكن أن نشغِّل الموسيقى في أثناء الاستراحات أو في أثناء حل تمارين معينة. و يمكن أن تساهم الروائح في إضافة سحر خاص، وإيجابيَّة إلى غرفة التدريب، شرط ألا نفرط في استخدامها.
بيئة اجتماعيَّة إيجابيَّة:
لا بد من بناء بيئة تعاونيَّة منذ اللحظة الأولى للدورة التدريبيَّة. إذا تمكنا من أن نأخذ بقيادة المجموعة خارج دوائر الانعزال التي يمكن أن يضعوا أنفسهم فيها ونبني مجتمعا تعليميا حقيقيا، فنكون بذلك نساعدهم بلا حدود للنجاح في مشروعهم التعليمي.
يساعد التعاون المُتدرِّبين على التخفيف من الضغط النفسي وعلى الاستفادة المثلى من قدراتهم العقليَّة، وهذا على العكس من التنافس الذي يؤدي إلى حالة من الدفاع الذاتي والضغط. إن حالة التناغم الإنساني التي تستغل فرصتها للظهور تحت ظل المجتمع التعليمي التعاوني تفتح بدورها الباب أمام التدفق السلس والحر للرؤئ الداخليَّة والأفكار والمعلومات، مما يؤدي إلى تحسين العمليَّة التعليميَّة لجميع أفراد المجموعة معاً.
إن الربط هو أحد أهم عناصر الذكاء، وإن زيادة الربط بين المعطيات سواء داخل الدماغ أو داخل غرفة الصف أو ورشة العمل تؤدي حتما إلى زيادة في الذكاء كحصيلة كلِّية لجميع الحضور.
يمكن الاستهلال باختبار مشترك سريع، أو بلعبة جمع المعلومات أو أي لعبة تعليميَّة أخرى أو تمارين حل مسائل أو مشروع تدريبي جماعي، أو أيٍّ مما من شأنه أن يؤدي إلى عمل جماعي مشترك بين أعضاء الفريق.
يجب أن يشعر الجميع بأنهم لم يحضروا إلى معتزل اجتماعي، وإنما إلى مجتمع تعليمي حنون، يتولّى الجميع فيه مسؤولياتهم ويحمل كل فرد على عاتقه مهمة إنجاحه وإنجاح كامل المجموعة على حد سواء. إذا لم تحقق إلا هذا، فهو وحده كفيل بتحسين التعليم إلى درجة كبيرة.
البيئة العاطفية الإيجابيَّة:
إن المشاعر الإيجابيَّة تحسِّن التعلُّم بشكل كبير إذ إن المشاعر تحدد كميَّة ونوعيَّة التعلُّم الذي يمكن للشخص حيازته. وتثبط المشاعر السلبيَّة التعلُّم، بينما تسرِّ عه المشاعر الإيجابيَّة. ولا يمكن لعمليَّة التعلُّم التي تولِّد الضغط والخوف أن تنجز من التعليم قدر ما تنجزه عمليَّة تعليميَّة مرحة ومريحة تفتح باب المشاركة للجميع.
نخلص من كل ما سبق أن بيئة التعلُّم الإيجابيَّة، هي التي تهيئ النظرة الإيجابيَّة للذات ويحترم فيها المُتعلِّم قدراته وامكاناته، وهي البيئة التي تضمن النجاح لكل مُتعلِّم وتوفر الثقة في تعزيز تعلم المُتعلِّم وزيادة احتمالات تكراره وتوفر تغذية راجعة تصححه وتعزيزه وتقوّمه وتزوده بمعلومات إيجابيَّة عن الاداء. تشير الأبحاث إلى أنَّ المُتعلِّم ينمو في ظل خبرات تربويَّة مقصودة، ويكتسب العديد من الخبرات التي توجه نشاطاته وتؤدي الى تحقيق وجوده كانسان.
المراجع
ماير ، ديف ( 2010 )، التعلُّم السريع، الإشراف العلمي: محمد بدرة، ط1، إيلاف ترين للنشر، دبي.