يمكن أن تلاحظ كل أم تقريباً كيف أن ابنها الصغير الذي لم يتجاوز عمره السنة يبدي اهتماماً وتلهفاً كبيراً عندما تقع عينه علي طفل يقاربه في العمر، إنه يحاول أن يشد انتباهه ويلعب معه. عموماً يتعلم الطفل أكثر عندما ينغمس باللعب مع مجموعة من أقرانه أكثر مما يتعلمه بشكل فردي. فعندما يتواجد مع مجموعة من أصدقائه يجد أنه مع أشخاص مثله، يشبهونه بالحجم والطول، لديه معهم كل القواسم المشتركة التي تدفعه للتعلم منهم بالمحاكاة، وبسرعة عالية جداً.
إن التعاون يُسرِّع التعلم، والتنافس يبطؤه. إن نقل المتعلم من عزلته إلى مجتمع التعلم يقلل التوتر ويزيد التعلم، وغالباً ما يكون التعلم من الأقران أكثر جدوى من التعلم بأي وسيلة أخرى. يهتم المعلمون والمدربون الناجحون ببناء علاقات إيجابية بين المتعلمين أكثر من اهتمامهم بأي أداة أو وسيلة تعليمية أخرى. (مرض التنافس والفردية)
كيف يتم نقل وتشرُّب مبادئ التعلم السريع؟ إن أحدنا مهما أتى بوصفات ناجحة من أفضل طباخ يعرفه وحفظها وقام بكل ما يلزم ليتقنها، لا يتقنها إلا عندما يدخل المطبخ، ولو أنه تعلم مباشرة في المطبخ لكان الأمر أيسر وأسرع كذلك. إن أفضل عملية نقل وتشرُّب مهارة قيادة السيارة هي المباشرة بالقيادة رأساً. إذاً التدريب والتعلم السريع لمبادئ التعلم السريع هو المباشرة بالتطبيق والممارسة، ثم القيام بالتغذية الراجعة، بعدها المراجعة، ومن ثم التطبيق والممارسة مرة أخرى.
الإصطباغ في التعلّم: كلما كان الوضع النفسي والشعوري والجسدي والعقلي بعيش هاجس العلم والعمل معاً كلما كان التعلّم موفقاً أكثر، ورحم الله أولئك الذين كانوا يسمعون بالمسألة فيطبقونها لا يزيدون عليها شيئاً حتى تصبح عملاً من أعمالهم، ثم يتعلمون مسالة أخرى وهكذا. وكلما كان ديدن المرء ذلك أصبح زمانه ومكانه بيئة تعلّم، وانغمس كلياً في حالة التعلُّم وهو المدعو إليه بطلب العلم، وهو ما اصطلحنا أن نسميه الاصطباغ في التعلم. ورحم الله من قال: لا يسمى العلم علماً إلا عندما يكون القلب كانطباع البياض في البياض والسواد في السواد. يفكر عقله وينفذ جسده وتنتشي أحاسيسه بسعادة غامرة.
الدكتور محمد ابراهيم بدرة.
دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.
د. محمد ابراهيم بدره