عندما يثير الطفل شيئاً ما ويجذب إليه، تجده يبذل جهده كي يتفاعل معه، حتى قد ينفجر في البكاء كي يصل إليه. وعندما يصل إليه، وعلى قدر اهتمامه، تجده ينشغل كُله في التعامل معه وينغمس به بقلبه وفكره وجسمه، ينغمس كُله فيه لدرجة أنه قد لا ينتبه إلى ما يحدث حوله من أشياء أخرى.
إن التعلم هو عملية الوصول إلى المعرفة من قبل المتعلم نفسه، وليس استهلاكاً لها، فالمعرفة والمعنى والقيم ليست شيئاً يمتصه المتعلم، ولكنها شيئاً يُخلق في داخله. فالتعلم الحقيقي هو تعلم بكامل الجسم والعقل ويُشغـِل المتعلم عقلياً وعاطفياً وفيزيائياً. (مرض التلقين بلا حركة)
كيف يتم نقل وتشرُّب مبادئ التعلم السريع؟ إن أحدنا مهما أتى بوصفات ناجحة من أفضل طباخ يعرفه وحفظها وقام بكل ما يلزم ليتقنها، لا يتقنها إلا عندما يدخل المطبخ، ولو أنه تعلم مباشرة في المطبخ لكان الأمر أيسر وأسرع كذلك. إن أفضل عملية نقل وتشرُّب مهارة قيادة السيارة هي المباشرة بالقيادة رأساً. إذاً التدريب والتعلم السريع لمبادئ التعلم السريع هو المباشرة بالتطبيق والممارسة، ثم القيام بالتغذية الراجعة، بعدها المراجعة، ومن ثم التطبيق والممارسة مرة أخرى.
الإصطباغ في التعلّم: كلما كان الوضع النفسي والشعوري والجسدي والعقلي بعيش هاجس العلم والعمل معاً كلما كان التعلّم موفقاً أكثر، ورحم الله أولئك الذين كانوا يسمعون بالمسألة فيطبقونها لا يزيدون عليها شيئاً حتى تصبح عملاً من أعمالهم، ثم يتعلمون مسالة أخرى وهكذا. وكلما كان ديدن المرء ذلك أصبح زمانه ومكانه بيئة تعلّم، وانغمس كلياً في حالة التعلُّم وهو المدعو إليه بطلب العلم، وهو ما اصطلحنا أن نسميه الاصطباغ في التعلم. ورحم الله من قال: لا يسمى العلم علماً إلا عندما يكون القلب كانطباع البياض في البياض والسواد في السواد. يفكر عقله وينفذ جسده وتنتشي أحاسيسه بسعادة غامرة.
الدكتور محمد ابراهيم بدرة
دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.
د. محمد ابراهيم بدره