نماذج التعلم: ما نماذج التعلُّم إلا نماذج فقط، وليست طرقاً للتعلُّم. إلا أنها تستفيد من ميل البشر الفطريّ إلى تكوين النماذج فتحيط بمختلف الميول وتجعلها في بوتقة واحدة لذلك توصف بكونها سلسلة، أو مجموعة من الأطوار، أو نظريات، أو خطوطاً، أو طرقاً حلزونية، أو شبكات متصالبة، أو مثلثات أو حلقات. ليست تلك إلا استعارات تساعدنا في حفظ الأفكار وفهمها بسرعة، ولا يمكن أن تَختزل التعلُّم بكامله لأنه تجربة معقَّدة فوضويّة ومستقلة، لا يمكن أن يُختَزل في أية استعارة مفروضة. ومع ذلك تُؤمِّن حلقة التعلُّم السريع مجموعةً من النقاط المرجعية لمساعدة المعلِّم والمتعلِّم كي يتعاونوا في وضع شرح ونقد لعملية التعلُّم، وتبقى المشكلة في التفاصيل. سنقوم بتأمين مجموعة من المؤشّرات أو المذكِّرات في كلّ مرحلة من هذه الحلقة لمساعدتك في تكوين الصورة الصحيحة في ذهنك.
الحلقة "أو ما يوصف بسلسلة متكررة من الأحداث" هي عبارة عن مفهوم، وبالتالي هي طريقة لفهم الأشياء. نأمل أن تُستخدم لتعزيز النقاشات التي تقود المتعلمين لتعيدهم في النهاية عبر التعلُّم إلى أنفسهم، والمعلِّم هو من يسهِّل ذلك مستخدماً الحلقة كأداة.
أصول حلقة التعلّم السريع
يعود الفضل في تطوّر حلقة التعلم السريع بادئ الأمر إلى الذين عملوا في حقل التعلُّم التجريبي، خصوصاً ديفيد كولب وكيرت ليوين. ولقد حاولنا أن نميِّز أهمية البيئتين المادية والعاطفية، لذلك أقررنا بعمل ريتا وكينيث دان (1978). بعد ذلك ظهرت الثقافة العاطفية الجديدة لتدعم تأييدنا لبيئة تعلُّم إيجابية داعمة ومتحدّية (راجع غولمان 1996).
كشف التفكير الأولي مفهوم تفسير الدماغ للأشياء بشكل حرفي وبذلك قادنا إلى عمل برنيس ماكارثي ونيد هرمان (راجع هرمان 1997، ماكارثي 1982). وقدّم كلٌّ من ريتشارد باندلر وميشيل غرايندر الباحثان في مجال العلاقة بين اللغة والعمليات العصبية تفسيراً منطقياً لأساس تنظيم الربط الفعَّال عبر ما يسمى فاك VAK[1] (العمليات البصرية، السمعية والحسية الحركية، راجع باندلر 1992، غريندر 1991)، أما هوارد غاردنر (1993) صاحب وجهة النظر المختلفة للذكاء وكيفية قياسه، فقد قدّم للمتعلمين طريقةً لعرض وشرح طرقهم المختلقة في الفهم. وكذلك ساعدت النصوص المعروفة عن الذاكرة وأدوات تحسينها في جمع المعلومات المعرفية وتثبيتها.
في أثناء العمل في الحلقة شجّعنا فكرة التغلّب على التحديات للوصول إلى راحة المتعلم الشخصية والشعور بالاطمئنان، ودور المعلِّم في تيسير ذلك. كان لاثنين من المفكّرين أثرٌ في ذلك، الأول ليف فيغوتسكي (1978) صاحب فكرة التطوّر الأقرب، والثاني روبرت سابولسكي (1998) الذي فسّر التأثير الحقيقي للضغط النفسي على الأداء. كان وراء ذلك عمل مجموعة من المفكّرين الاصطفائيين غير المعروفين من جميع أنحاء العالم، وقد كان العديد منهم عضواً فيما كان يسمى آنذاك بالـ [2] SALT (جمعية مدرِّبي التعلُّم السريع)، مستوحيين أفكارهم من جورجي لوزانوف (1981،1978) والذي اقتبس كولن روز عمله في كتبه عن التعلُّم السريع للبالغين (راجع روز ونيكول 1997). قام مركز دبي للتعلم السريع بوضع حلقة تعلُّم سريع بسيطة جداً من أربعة مراحل وعزّزها بمجموعة من الكتيبات وورشات العمل. ولقد تم مشاركة هذه الحلقة وتدعيمها واستخدامها كهيكل للملاحظة والإشراف، واستعمالها كنموذج عند كتابة العمل أو الدرس أوالخطط، وهكذا بدأت مرحلة التنفيذ.
ومع أنَّ إطارات التعلُّم السريع التي يستخدمها الممارسون تختلف عن بعضها في العناوين والتفاصيل إلا أنَّ المتشابهات فيها تثبت فعّالية المنهج؛ نورد في الجدول التالي بعض الأطر التي يستخدمها بعض الممارسين المعروفين:
تعلم الطفل (كرت ليوين) |
التعليم بالإيحائية/ اللاإيحائية الدكتور لوزانوف |
الفورمات |
الاتحاد العالمي للتعليم (IAL) |
مركز دبي للتعلم السريع (DALC) |
|
|
|
|
تحضير المتعلم |
الربط المسبق للمتعلم |
|
الطفل يضع يده في أو قريباً من النار ويشعر بالألم. |
التحضير الإيحاءات |
البدء بالإيحاءات الأولية البناء من خلال المنهاج |
ربط المفهوم بالنفس (لماذا؟) |
الربط |
الربط |
الطفل يتأمل فيما حدث. |
التنشيط موسيقا نشطة المضمون |
الإكتشاف استخلاص |
تكوين المفهوم (ماذا؟) |
العرض الإبداعي |
العرض |
|
عرض المتعلم دراسة تفصيلية |
يُظهر المتعلم أنه يعرف |
|
|
|
يبدأ الطفل في تكوين نظرية أو استنتاج أن ملامسة النار تؤدي إلى ألم. |
الإنتاج (ساكن) موسيقا هادئة مراجعة إعادة الأفكار الرئيسة |
المراجعة |
الممارسة والشخصنة (كيف؟) |
التنشيط |
التمرين |
ربما يقترب الطفل مرة أخرى من النار ليختبر نظريته في أن النار تساوي الألم. |
|
الإحتفال |
دمج التطبيق مع التجربة (ماذا إذا؟) |
التكامل، التأمل، والإحتفال
|
التكامل والإحتفال |
|
|
|
|
|
النقل للواقع |
نتبنى في مركز دبي للتعلم السريع حلقة مؤلّفة من أربع مراحل لإشراك المتعلمين بعمليّة التعلُّم. تركِّز هذه الحلقة غالباً على التعلُّم والمتعلِّم وليس على التعليم والمعلِّم، وأهمّ ما يُميّزها أنها فعّالة وتحثّ كُلاً من المتعلِّم والمعلِّم على التفكير سوية في دفع المتعلم للانغماس في عملية التعلُّم. دورة التعلُّم الطبيعية: إن عملية التعلُّم بسيطة وطبيعية بحد ذاتها، وتستطيع أن تفكر بها على أنها مُكوَّنة من أربعة مراحل:
- الربط (جذب اهتمام المُتعلم).
- العرض (تفاعل المُتعلم مع المعلومات أو المهارات الجديدة).
- التمرين (دمج المعلومات الجديدة أو المهارة داخل المتعلم).
- التكامل (تطبيق المعلومات الجديدة أو المهارة على الحياة العملية).
وبشكل مجازي، إذا استطعنا تشبيه المعلم بالمزارع الذي يريد أفضل الثمار من أرضه، والمتعلم بالأرض القابلة للزراعة، فتكون النتائج التعليمية كالثمار التي تود الوصول إليها، وتكون عملية التعليم مشابهة لعملية الزراعة، وتصبح عملية التعليم أمامك كالتالي:
- حدد الثمار المطلوبة (أهداف التعلم).
- حضّر الأرض للزراعة (مرحلة الربط).
- احفر الأرض (مرحلة العرض).
- اغرس الشتلات (مرحلة التمرين).
- اقطف الثمار (مرحلة التكامل).
مرحلة الربط (حضّر الأرض للزراعة):
تهدف مرحلة الربط إلى تحضير المتعلمين لخوض التعلم على أفضل وجه ممكن. أعتقد أنك تتفق معي أن الخطوة الأولى لأي تعليم هي جذب انتباه المتعلم وفتح شهيته إلى أقصاها كي يتعلم. في هذه المرحلة نربط المتعلم بالتعلم مادياً واجتماعياً وعاطفياً، قبل التدريب وأثناءه. فهذه المرحلة أشبه بتحضير الأرض لزراعة البذور، وكلما تمت بشكل صحيح كلما ازدادت فرص التعلم أكثر.
مرحلة العرض (احفر الأرض):
إنها "المواجهة" الأولى بين المتعلم ومادة التعليم، وتهدف إلى دفع المتعلمين ليتفاعلوا معها بشكل إيجابي. فيتم تقديم المعلومات الضرورية لهم ليبدؤوا بحلّ المشاكل التي تم طرحها، ويكون ذلك من خلال إعطاء المتعلم الفرص اللازمة لتكوين المعاني الخاصة به وذلك من خلال أنشطة متنوعة.
مرحلة التمرين (اغرس الشتلات):
تهدف مرحلة التمرين إلى إتاحة الوقت الكافي للمتعلمين كي يتمكنوا من امتصاص الخبرة الجديدة ودمجها في خبرتهم الذاتية، وجعلها جزءاً من ذواتهم، من منظوماتهم الداخلية ومعتقداتهم ومهاراتهم. وتعد هذه المرحلة لب التعلم السريع وجوهره لأنها فرصة المتعلمين الحقيقية للتعلم. وقد تشكل ما يفوق السبعين بالمئة من مجمل العملية التعليمية. يقول وين وينغر: "إن ما يقوله أو يفعله المتعلم أهم بكثير مما يقوله ويفعله المعلم".
مرحلة التكامل (اقطف الثمار):
إن هدف مرحلة التكامل هو التأكد من قدرة المتعلمين على تطبيق ما تعلموه في حياتهم العملية. وأنهم يوسعون ما تعلموه أيضاً بطرق تعزز القيمة لأنفسهم بالمقام الأول، ومن ثم للمنظمات التي يعملون بها، ولعملاء منظماتهم، ولكل من يهمهم أمره. تُسمى هذه المرحلة بمرحلة قطف الثمار. ومهما كانت المراحل الثلاثة الأولى قوية فستكون بلا قيمة إذا لم نتابعها بمرحلة تكامل فعالة.
الدكتور محمد ابراهيم بدرة
دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.