نحن اليوم بحاجة لاستخدام كامل العقل وكامل الذات (عقل وجسد ومشاعر) في التعلم، إن هذا هو الحل الوحيد للوصول إلى تعليم أسرع وأكثر متعة وفاعلية. فنحن حتماً بحاجة للحفاظ على دماغ الزواحف، نحن بحاجة إلى غرائز البقاء والوظائف التلقائية. بعض "الطاعة" واتباع القواعد هو حتماً شيء إيجابي، ولكنه جزء صغير مما نحتاجه للتعلم.
في الوقت ذاته، نحن بحاجة إلى النظام الحوفي، حيث تلعب المشاعر دوراً هاماً في كمية ونوعية التعلم الذي نستطيع تحقيقه، وهو ما أثبتته الدراسات ويشير إليه المنطق السليم أيضاً. تسرع المشاعر الإيجابية من عملية التعلم، بينما تبطئها وتعيقها المشاعر السلبية. إن خلق المشاعر الإيجابية هو من أساسيات مرحلة التحضير في حلقة التعلّم السريع. من الأهداف الأخرى لهذه المرحلة هي إيقاظ الذكاء الاجتماعي الذي يتمتع به النظام الحوفي لدى المتعلم، حيث يجب أن ندفع المتعلمين للتعاون، لا للتنافس، وهو ما أشار الكثير من الدارسين إلى فاعليته في تحسين مستوى التعليم. من جهة أخرى، نحن بأمس الحاجة إلى استثمار كامل مقدرات القشرة الخارجية للدماغ. ولا بد لتحقيق ذلك من تدريب المتعلمين على التفكير الذاتي، وعلى كيفية البحث عوضاً عن التخزين السلبي للمعلومات، وعلى كيفية التعلم والتخيل، وخلق المعاني واستنباط القيم ذاتياً من خلال التجربة.
ولا بد من الاهتمام بالمشاعر: عندما تكون المشاعر إيجابية ويكون المتعلمون في حالة من الانفتاح والراحة، فهم في أفضل حالاتهم "للرقي" إلى استخدام القشرة الخارجية للدماغ، أي دماغ التعلم الأساسي. في حين أن المشاعر السلبية والضغط النفسي يدفع المتعلمين إلى "الانكماش" في دماغهم الزواحفي، والتركيز لا على التعليم، بل على "النجاة"، وهو ما يبطئ التعليم أو حتى يوقفه تماماً.
الجسد هو العقل، والعقل هو الجسد
لا يمكن الفصل بين حالة العقل وحالة الجسد، يمكن لحركة الجسد أن تحسن أداء العقل، كما قالت كارلا هانفورد في كتابها: الحركات الذكية: التعليم ليس فقط في الرأس. من جهة أخرى، يمكن لحالات ذهنية معينة أن يكون لها تأثير كبير على الجسد. في المجمل، لا ينحصر التفكير والتعلم والذاكرة في الرأس، بل تتوزع هذه الملكات على كافة أنحاء الجسد. حتى أن كانديس بيرت في كتابها جزيئات المشاعر أشارت إلى أن الكثير من التعلم والتفكير وحتى اتخاذ القرارات يمكن أن يحدث على مستوى الجزيئات والخلايا.
لقد ركز التعليم التقليدي على الرأس، واعتبر أن العملية كلها تحدث هناك، بوصفها عملية منطقية وشفهية، ولا علاقة حقيقية لها بباقي أجزاء الذات، من جسد ومشاعر وإحساسات. ومن هنا، كانت النزعة السائدة هي خلق مناخات تعليمية تقول للمتعلمين (كباراً أم صغاراً): اجلسوا بسكون، لا تتحركوا، وتعلموا! كان من الواجب أن نقول: قفوا، تحركوا، افتعلوا الضجة، وتعلموا! إن الحركة تحفز إنتاج كيميائيات معينة تساعد في بناء ونمو الدماغ، وهو ما يحفز التعليم بدوره.
وجد الباحثون أن نشاطات من نوع التفكير والحركة متصلة عضوياً في الدماغ. كمثال على ذلك، إن مركز التفكير وحل المشاكل في الدماغ ملاصق للمركز الذي يتحكم بالحركات الدقيقة والماهرة في الجسم. لذلك من السليم أن نقول عن الكثير من الناس أن غياب الحركة في الجسد تعني وقف التطور في الدماغ. إذاً، ليس الدماغ والجسد منفصلين بأي شكل من الأشكال، بل هما كل متحد متواصل ومتكامل. الجسد هو العقل، والعقل هو الجسد، ويربطهما بفعالية نادرة الجهاز العصبي والجهاز الدوراني، ليذيب الحدود الفاصلة بينهما نهائياً.
التعلم هو الحياة
من الصحيح أن الحياة هي تعلم مستمر، إلا أنه من الصحيح أيضاً، والمهم، أن التعلم هو حياة مستمرة. دلت بعض الدراسات أن الناس الذين يستمرون في التعلم واكتساب الخبرات الجديدة هم أقل عرضة للإصابة بمرض الزهايمر. عندما يوضع الدماغ تحت تحدي التعليم بشكل متواصل، فإنه يستطيع الاستمرار في بناء الشبكات العصبية الجديدة حتى وقت متأخر من العمر، وهو ما أشارت إليه سينثيا شورت في كتابها التغصنات العصبية الخالدة، والذي يحتوي على تمارين عقلية لكبار السن. يبدو أن أسرار ينبوع الشباب التي لطالما بحث عنها الإنسان تكمن ببساطة في التمارين والغذاء والتعلم المستمر.