لقد طغى نموذج نظام تصميم النظم التعليمية (ISD) على تصميم المناهج في خلال السنوات الأربعين الماضية. لقد تم تصميم هذا النظام في الجيش خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وتم اعتناقه من قبل خبراء التدريب منذ حينه، وما يزال حتى اليوم يمثل منهجية التصميم المعيارية التي تدرَّس في الجامعات وفي معظم مؤسسات تدريب المدربين. إلا أن هذا نظامٌ قد تجاوزه الزمن، ونحن بحاجة ماسة لتغييره. إننا لا ننكر الجهد والتفكير العميق اللذين أنتجا هذا لنظام، ونحن إذ نعترف أن جزءاً كبيراً من هذا الجهد لا بد أن نحافظ عليه، نقول بثقة أن الطريقة التي نستخدم فيها نتاجه بحاجة لأن تطور بشكل جذري، حيث لا بد أن يعترف نظام التصميم بآخر الأبحاث التي توصلت إليها العلوم في مجال فهم آلية الدماغ، وأن يضمها في طياته.
لماذا تجاوز الزمن نظام تصميم النظم التعليمية؟ بالرغم من الجهود الهائلة التي يبذلها فريق كبير من خبراء التدريب وشركات التدريب بغرض الحفاظ على ISD وإبقائه حياً في المجتمع التدريبي، إلا أن الكثيرين قد تخلوا عن وهمهم به. إن هذا النظام ببساطة بطيء جداً، ومرهق، ويخلو من المرونة، وخطي، وجاف عاطفياً أكثر مما يجب لينجح في الدخول إلى عالم الأعمال الحالي. وهو إلى ذلك مليء بكل المعتقدات التي ثبت خطؤها حول التعليم.
إن نقطة الضعف الأساسية التي يعاني منها هذا النظام تعود إلى جذوره، حيث أنه نظام ولد في الجيش، وهو بالتالي يعكس وجهة نظر أحادية "ذكورية" تستسترونية بشكل شبه حصري، وهو إلى ذلك يتّبع مقاربة سلوكية. إن منشأه العسكري هذا يفسر لنا بسهولة كونه خطي وتحليلي ولفظي وأكاديمي ورأسي هرمي ووصفي ومتجه نحو الطرف الأيسر من الدماغ. يبدو أن ISD قد افتقد الجانب الأنثوي منذ نشأته، كان يمكن لهذا الجانب أن يجعله أكثر مرحاً وفطريةً وصوريّةً ومرونةً وتغذية للعاطفة واتجاهاً نحو نصف الدماغ الأيمن.
لقد نزَعَ نظام التصميم التعليمي – بسبب نشأته غير المتوازنة هذه – إلى جعل عملية التصميم تسير باتجاه جدّي غير مبالٍ ضاغط نفسياً خشبي مضجر وبطيء. وقد عرف عنه ميله لأن ينتِج برامج تفتقد الحياة وعروض مملة ومتعلمين سلبيين. لا بد هنا من الإشارة إلى أن التغيير الإصلاحي في بنية نظام التصميم التعليمي هذا لن ينفع. نحن في حاجة لمقاربة جديدةٍ كلياً لعملية التصميم، مقاربة تنبع من الفهم الحديث للعملية التعليمية، وفهم للطبيعة النارية لحركة الحياة المعاصرة. ببساطة: مقاربة قادرة على إنتاج تعلم أفضل وأداء أفضل لدى جميع أنواع المتعلمين.
لماذا يجب التخلي عن نظام التصميم التعليمي الكلاسيكي؟
إنه يستهلك وقتاً طويلاً: إننا في معظم الحالات لا نستطيع أن نخصص ستة أشهر لتصميم دورة تدريبية. فإيقاع التجدد في المعطيات في الحياة المعاصرة أصبح أكثر سرعة من أن يقبل ذلك. لا بد في عالم اليوم أن يتم اختصار زمن تصميم الدورة التدريبية من أشهرٍ عدة إلى ساعات قليلة فقط. كانت القاعدة الكلاسيكية تقول: عشرون ساعة من العمل في التصميم لإنتاج ساعة واحدة من التدريب، ويزداد هذا التناسب حدةً مع التدريب المعتمد على الكمبيوتر ليصل حتى إلى 150 إلى واحد. هل يبدو هذا الرقم منطقياً في عالم اليوم؟
مفرط اللفظية والذهنية والمنطقية: يقوم ISD على مبدأ أن التعليم هو عملية لفظية معرفية بحتة، وبذلك يجب أن تكون البرامج التدريبية خطية وعقلانية ومرتبة للغاية. من الصحيح طبعاً أن للتعليم مكونات معرفية ولفظية، إلا أن نظام التصميم التعليمي يفشل في الموازنة بين هذه الجوانب وبين الذكاء العاطفي والفطري، ويهمل الحكمة النابعة من التجربة العملية متعددة الحواس غير الخطية وغير المدركة.
تحكمي وهرمي بشكل مفرط: إن نظام تصميم البرامج التدريبية الكلاسيكي مفرط الهرمية والأبوية، إنه يعتمد مبدأ المدرب الذي يعرف كل شيء ويعطي كل شيء جاهزاً على طبق من فضة. إن الإيمان بالسلوكية هنا يعطي شكلاً جامداً وغير مرن للعملية التعليمية، مؤكداً على طريقة واحدة ناجحة وجواب واحد صحيح. إنه بهذا يعامل المتدربين كآلات تعمل بمبدأ المحفز والاستجابة، ويسعى لتعليمهم استنساخ الأسلوب الذي تطرحه الدورة التدريبية بوصفه أسلوب الأداء المثالي.
يعامل المتدربين كمستهلكين لا مبدعين للمعرفة: ينظر نظام تصميم البرامج التعليمية الكلاسيكي إلى التعليم بوصفه أمراً يتم "تقديمه" للمتدربين، وليس معرفة "يصنعها" المتدربون أنفسهم. إنه بهذا يحول المتدربين إلى مستهلكين سلبيين ومعتمدين كلياً على استهلاك المادة التي يقدمها مصمم البرامج التدريبية. إن النظام بهذا الشكل يهمل حقيقة أن التعليم هو بشكل كامل ما يخلقه المتعلمون خلال عملية الانخراط في التجربة واختبار النتائج واحتمال الخطأ ووجود التغذية الراجعة والتحليل وإعادة التجربة.
معتمد على المواد وليس على النشاطات: يذهب معظم الجهد المبذول في التصميم الكلاسيكي إلى إنتاج مواد تعليمية من عروض "بور بوينت" وعروض جهاز الإسقاط الرأسي وكتيبات المتدربين وبرامج التدريب بمساعدة الكمبيوتر وغير ذلك. إن مدى حرفية البرنامج التعليمي تقاس بحجم المواد المقدمة إلى المتدربين. إلا أن المتدربين يتعلمون بشكل أفضل مما يختبرونه بكامل حواسهم من خلال النشاطات التعليمية التي تضع موضوع الدورة ضمن السياق الحقيقي، بعيداً عن الكتب وكل المواد التي ذكرناها.
قام دون شستر من جامعة ولاية أيوا، وكل من راي بوردون وتشارلز غريتن خلال السبعينات بتطبيق هذه الأفكار على التعليم المدرسي والجامعي، وكانت النتائج إيجابية. بناء على ذلك، قام هؤلاء ومجموعة أخرى من العاملين في مجال التعليم بتأسيس ما سمي بجمعية التدريس والتعلم المتسارع (SALT)، والتي بدأت بعقد مؤتمرات سنوية في الولايات المتحدة جذبت إليها أساتذة جامعات ومدرسي مدارس ثانوية ومختلف محترفي التدريس من جميع أنحاء العالم. بلغ عمر هذه الجمعية الآن أكثر من خمس وعشرين سنة، وقد أعادت تسمية نفسها لتصبح: التحالف الدولي للتعلم (IAL) ولا تزال تقوم بعقد المؤتمرات في الولايات المتحدة والتي يشارك فيها محترفون من جميع أنحاء العالم. وهنالك جمعية مشابهة في بريطانيا تطلق على نفسها اسم جمعية التعلم المؤثِّر الفعال (S.E.A.L)، وفي ألمانيا شكل بعض ممارسي التعلم "السريع" ما أُطلق عليه اسم الجمعية الألمانية للتعلم التجريبي (D.S.G.L). وفي العالم العربي تم تأسيس مركز دبي للتعليم السريع DALC