تعرّف المربّون (من سنة 1950 وحتى الثمانينات) نظريَّة الدمــــــاغ ثلاثي الأجزاء، ويقول لنا هذا النموذج السابق إِنّ التعلُّم الدائم يكون في الجزء السفلي من الدماغ، وتعالج المشاعر والانفعالات في الجزء الأوسط من الدماغ، بينما تعــــالج عمليات التفكير العليا في الجزء العلوي من الدمــــاغ، هذا النموذج أصبح الآن ملغى بعد ظهور الأنظمة الشاملة الأكثر تركيباً وتعقيداً لفهم الدماغ.
هل يمكننا أن نلخّص الأساسيّات المُتعلِّقة بطريقة عمل أدمغتنا؟
ستبقى هناك أسئلة مجهولة عن الدماغ، غير أنّنا نملك الآن معلومات كافية لمساعدة المُعلِّمين على أداء عملهم بشكلٍ أفضل، فمن خلال معرفة كيف يتعلَّم الدماغ، نستطيع أن نُحدّد أو نوزّع المصادر التعليميَّة بشكلٍ أفضل والأهم هو أنّنا سنحسّن نجاحاتنا في تعليم المُتعلِّمين.
ماذا تعرف عن دماغ الإنسان؟
يتكوّن الدماغ من نصفي كرة دماغيّة مخيّة: نصف الكرة الأيسر ونصف الكرة الأيمن، ويرتبط هذان النصفان بحزم من الألياف العصبيّة يُعَــــرَف أكبرها بالجسم الجاسي(Corpus callosum) الذي يحتوي على نحو (250) مليوناً من الألياف العصبية، إنّ هذا التداخل بين نصفي الكــرة الدماغية يسمح لكل جانب من الدماغ بتبادل المعلومات بحريَّة أكثر، وعلى الرغم من أنّ كل جانب يعالج الأشياء بطريقة مختلفة، إلاّ أنّ بعض الافتراضات السابقة عن الدماغ الأيمن والدماغ الأيسر لم تعد مقبولة.
الأقسام الوظيفيَّة الأساسيَّة للدماغ:
يقسّم العلماء الدماغ إلى أربع مناطق يطلق عليها فصوص، وهذه الفصوص هي: الفص الخلفي(Occipital)، والفص الأمامي أو الفص الجبهي (Frontal)، والفص الجداري(partietal)، والفص الصدغي(Temporal) يقع الفص الخلفي في وسط مؤخرة الدماغ وهو مسؤول بشكل رئيس عن الإبصار، ويقع الفص الجبهي في المنطقة المحيطة بالجبهة ويعنى بالأعمال الهادفة مثل إصدار الأحكام، والإبداع، وحل المشكلات، والتخطيط.
ويقع الفص الجداري في أعلى مؤخّرة الرأس وتتضمَّن مسؤولياته معالجة الوظائف اللغوية والأحاسيس الدقيقة، أمّا الفصان الصدغيان (الأيمن والأيسر) فيقعان فوق الأذنين وحولهما، وهذه المنطقة مسؤولة بشكلٍ رئيس عن السمع والذاكرة والمعنى واللغة، وهناك بعض التداخل في وظائف تلك الفصوص.
كيف يحصل الدماغ على طاقته للتعلُّم؟
إنّ مصدره الرئيس هو الدّم الذي يزوده بعناصر غذائية مثل الجلوكوز، والبروتين والعنـــــــاصر الكيماوية والأكسجين... يحصل الدماغ على حوالي (8) جالونات من الدم كلّ ساعة، أي ما يقارب 198 جالوناً في اليوم. إضافةً إلى ذلك يوفّر الماء التوازن الإلكتروليتي لقيام الجسم بوظائفه بشكل مناسب. ويحتاج الدماغ إلى 8- 12 كوباً من الماء في اليوم للعمل على النحو الأمثل. ويُعَدُّ نقص الماء مشكلة عامّة تؤثّر في عمليَّة التعلُّم (ويجب أن نعرف أنّ الأنظمة الغذائية الجيّدة تساعد على التعلُّم)، هـــــــذا ويستهلك الدماغ (خمس) الأكسجين الذي يستهلكه الجسم.
أين يبدأ التعلُّم؟
يوجد نوعان من خلايا الدماغ: الخلايا العصبية (النيورونات)، والخلايا الفرديَّة (الغراء العصبي) وعلى الرغم من أنّ أغلبية خلايا الدماغ (90%) هي من الخلايا الغروية، إلاّ أنّ الـ (10%) المتبقية أي الخــــــلايا العصبية هي التي تجعل الدماغ عضو التعلُّم والتفكير .
يمتلك الإنسان (100) بليون نيورون، والخلية العصبية التي تؤدي وظيفتها بشكل طبيعي تعمل باستمرار على إثارة المعلومات ودمجها وتوليدها. والتعلُّم عمل مهم تقوم به الخـــلايا العصبية مجتمعةً ولا يمكن تحقيقه بشكلٍ فردي من قِبَلِ خلية عصبيّة واحدة بل يحتاج إلى تضافر مجموعات من الخلايا العصبية.
كيف نتعلَّم؟
يغيّر التعلُّم الدماغ لأنّ الدماغ يستطيع أن يعيد تركيب نفسه لدى كلّ تنبيه أو خبرة جديدة ومعرفتنا بأسس الخطوات التي يتم بها التعلُّم قد يمنحنا تبصراً مفيداً في كيفيَّة تعلم المُتعلِّمين.
المنبّه أو المثير:
بالنسبة إلى أدمغتنا، نقوم بعمل شيء نعرف مُسبَقاً كيف نؤديه أو نقوم بعمل شيء جديد، فإذا كنّا نكرر فعل شيء تعلمناه، فإنّ هناك فرصة جيّدة لكي تصبح الطرائق العصبية فاعلة أكثر فأكثر. وقد أكّد العلماء أنّ العديد من مناطق الدماغ تتغير "تضيء" عند إجراء مسح له باستخدام جهاز وذلك عند البدء بأداء مهمـــــة، فإنّه يضيء بصــــورةٍ أقـــــل ويستخدم بشكــــــل(PET) أقل كلّما تعلم المهمة بشكل أفضل، فالتمرين هو ممارسة شيء نعرف مُسبَقاً كيف نؤديه بينما الإثارة التنبيه هي أو هو عمل شيء جديد.
- تبدأ عمليَّة التعلُّم بمنبه أو مثير ما (مواجهة مشكلة ما، أو قراءة قصة أو حدث، الاستماع إلى القرآن...) هذه الإثارة تولّد طاقة كهربائيَّة مفيدة .
- تتحوَّل هذه المدخلات (المعلومات) إلى إشارات عصبية يتم فرزها في محطــــة الثلاموس الذي يقع وسط الدماغ.
- يتم معالجة المعلومات وتكوين "الخريطة" بسرعةٍ فائقة في قرن آمون (مركز التعلُّم والذاكرة في دماغ الإنسان).
- من هناك تتوزَّع الإشارات إلى مناطق مُحدَّدة في الدماغ.
وأخيراً تتشكّل الذاكرة التي يمكن أن تسترجع ذلك المنبه، وهــذا يعني ببســـاطة أنّ أجزاء المعلومات موضوعة كلَّاً في مكانه المناسب لكي يتم تنشيط الذاكرة بسهولة.
والتعلُّم والتذكّر وجهان لعملة واحدة، فإنّك إذا تعلّمت شيئاً ما، فإنّ الدليل الوحيد على التعلُّم هو التذكّر.