تحدَّثنا في المقال السابق عن آلية تفاعُل الخيال مع المعرفة المجردة لإنتاج التعلُّم داخل المتعلم، واستعرضنا فوائد توظيف الخيال في التعلُّم، وقدَّمنا واحدة من المناهج المطبقة في بعض المدارس الغربية والتي تعتمد على الخيال في العملية التعليمية وتُعرف بمنهج التعلُّم التخيلي، واستعرضنا أدوات هذا المنهج، وفي هذا المقال سنستعرض عملية التخطيط لتدريس موضوع في منهج التعلُّم التخيلي، ونقارن بين منهج التعلُّم السريع ومنهج التعلُّم التخيلي، ونقدِّم لكم ملخصاً استنتاجياً في نهاية مقالنا لضرورة توظيف الخيال في التعلُّم الحديث.
التخطيط لتدريس موضوع في منهج التعلُّم التخيلي:
يَعِدُنا منهج التعلُّم التخيلي بأنَّنا في حال استخدامنا الأدوات المعرفية واستثمرنا خيال المتعلمين في المهام التعليمية فإنَّنا سنقدِّم طرائق مختلفة وجديدة في التعليم، وهذه الطرائق الجديدة تستلزم تخطيطاً مختلفاً للتخطيط المستخدَم في التعليم التقليدي وهي: الأهداف، المحتوى، الأساليب، التقييم، وهذا التخطيط الجديد يضع في الحسبان استخدام الأدوات المعرفية بطريقة تساعد الطلبة على فهم العالم حولهم، وأيضاً الأسئلة التي على المعلم أن يطرحها عند تشكيله لدرس يجذب خيال المتعلمين.
تتألف خطة التعليم في منهج التعلُّم التخيلي من الأجزاء الآتية:
1. تحديد الأهمية:
هنا يقدِّم المعلِّم الانخراط العاطفي الذي يثير دهشة المتعلم لمعرفة لماذا علينا تعلُّم هذا الموضوع؟
2. تشكيل الوحدة أو الدرس:
فيه يوجه المنهج التخيلي المعلم إلى التركيز على تقديم موضوعه بطريقة تشغل عواطف وتخيلات الطلبة، مستخدماً الأدوات المعرفية التي ذكرناها في المقال السابق كالقصة، والأضداد الثنائية، والصور، والاستعارة، والألغاز والأحاجي، والألعاب والدراما، والأنماط والإيقاع وما إلى ذلك من الأدوات المعرفية.
3. استخدام أدوات الجسد:
مثل الحواس في توضيح المعرفة السابقة وربطها بالتعلُّم الجديد.
4. الموارد:
هنا يركز تخطيط الدرس على تحديد الموارد التي ستُستثمَر في تشكيل قصة عن موضوع الدرس أو الوحدة، والنشاطات المستخدمة خلال الحصة الدراسية.
5. الخلاصة:
هنا حيث تنتهي القصة بطرح المتعلمين لتساؤلاتهم، بطريقة تدفعهم للمزيد من حب الاكتشاف المتعلق بالموضوع.
6. التقييم:
هنا لا يستبعد منهج التعلُّم التخيلي جزء تقييم التعلم، ويضع التساؤل أمام المُعلم الذي عليه أن يبحث عن أدلة تثبت فهم الطلبة لموضوع الدرس، وإدراك أهميته ومحتواه.
نجد أنَّ التخطيط للحصة الدراسية يستلزم فهمَ المُعلم للأدوات المعرفية وطرائق استثمارها في التخطيط للدرس، ومهارةً في تقديم الموضوع في قالب يحرك عواطف وخيال المتعلمين.
منهج التعلُّم السريع مقابل منهج التعلُّم التخيلي:
إذا كنت قد اطلعت سابقاً على منهج التعلُّم السريع، ستدرك فوراً النقاط التي يشترك فيها المنهجان التخيلي والسريع وأين يتمايزان، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنَّ ما يقدمه منهج التعلُّم السريع لحركة التعليم الحديث في العالم لا ينحصر في تقديم طرائق أو أدوات جديدة للتدريس فقط كما يركز منهج التعلُّم التخيلي على تقديمه؛ بل هو منهج متكامل ينظر إلى أدوار المعلم والمتعلم والعلاقة بينهما داخل العملية التعليمية، والبيئة التي تنمو فيها هذه العلاقة بالصورة التي تحقق للمتعلم أقصى فائدة ومتعة خلال الوقت الذي يقضيه في التعلُّم.
كما نجد أنَّ كلا المنهجين يتناول أدوار المُعلم والمتعلم بطريقة مختلفة؛ فيركز منهج التعلُّم التخيلي على فئة منتقاة من المعلمين القادرين على استخدام الأدوات المعرفية وتوظيف التخيل بوصفه أسلوباً في تقديم الموضوعات داخل الصف، فهم يتحولون إلى مستهلكين بحد ذاتهم لأساليب المنهج، وفي الجانب المقابل يولي منهج التعلُّم السريع المعلم اهتماماً خاصاً بوصفه المؤثر الأكثر قرباً من المُتعلم داخل الصف، والمسؤول الأول عن نجاح عملية التعلُّم أو فشلها، فيبدأ بتشخيص الأمراض التربوية التي يعاني منها التعليم التقليدي والمعلم التقليدي، ويقدِّم الترياق لها، ثم يمنح المعلم الجديد الأمل من خلال تبني أسس التعلُّم السريع التي تعيد للمتعلم فطرة التعلُّم وتعيد الحياة إلى العملية التعليمية.
كما نجد أنَّ منهجي التعلُّم السريع والتعلُّم التخيلي يتفقان في أنَّ المُتعلم جاهز بالفطرة بالأدوات الحسية والدماغية واللغوية الأساسية والضرورية للتعلُّم ومنها الخيال والإيحاء، إلَّا أنَّ منهج التعلُّم التخيلي يضع هذه الأدوات في مجموعات لمساعدة المُعلم على انتقاء الأداة الأنسب لموضوعه، بينما يظهر منهج التعلُّم السريع بصورة أكثر مرونة بقدرته على استيعاب جميع هذه الأدوات وغيرها من الأدوات المستخدمة في مناهج وأساليب التعلُّم الحديث عن طريق تقنيات سهلة وبسيطة كالنشاطات، والأطر التعليمية، والموسيقى أو الإيقاع.
إذا نظرنا إلى الجانب التخطيطي، نجد أنَّ التخطيط للدرس المقدَّم بمنهج التعلُّم التخيلي يتم من خلال ستة أجزاء تساهم في تكامل الموضوع المقدَّم بالأسلوب التخيلي وباستخدام ثلاث عشرة أداة من الأدوات المعرفية والمادية، فيما يتم تصميم الدرس المقدم بمنهج التعلُّم السريع على ثمان مراحل.
تهدف هذه الطريقة إلى جذب انتباه المتعلم وفتح شهيته إلى أقصاها للدخول في دورة حياة العملية التعليمية وبناء بيئة تعلُّم إيجابية من خلال تطبيق تقنيات التعلُّم السريع كالأطر التعليمية التي تضفي المرح إلى بيئة التعلُّم وتجعلها ثرية أكثر، والنشاطات التعليمية المخصصة لتلبية أنماط التعلُّم لدى المتعلمين، وموسيقى الخلفية - عندما يلزم الأمر - التي تثير حواس المتعلمين وتغذيهم بالمشاعر الإيجابية، ويجد معظم المعلمين الذين قدموا موادهم التعليمية بمنهج التعلُّم السريع أنَّه يتميز بسهولة التطبيق.
الجزء الأهم والذي يحدد إمكانية تطبيق أحد المنهجين من عدمه هو عملية تدريب المعلمين والفترة اللازمة لتأهيلهم للبدء بتطبيق المنهج الجديد على أرض الواقع بأعلى معايير الاحترافية والمهارة، ويخبرنا الواقع أنَّ عملية تدريب المعلمين والمتعلمين والأهل على أسلوب إدارة الصفوف بمنهج التعلُّم التخيلي أساسيٌّ في بداية السنة الدراسية، ويأخذ وقتاً لا بأس به في تهيئة الطلبة الملتحقين بالمدارس التي تطبق هذا النموذج سنوياً.
يستطيع جميع المعلمين تعلُّم كيفية تطبيق تقنيات التعلُّم السريع، وتصميم النشاطات والأطر التعليمية من خلال حضور برنامج تدريبي واحد مدته خمسة أيام فقط، ولا حاجة إلى تدريب الطلبة، لكن من الهام أن يتم الاجتماع بالأهل لتوضيح أسباب التغير الملحوظ على سرعة تعلُّم أبنائهم وحماستهم للذهاب للمدرسة.
بُناة المستقبل:
يمكن للمتعلمين اليوم أن يساهموا بشكل حقيقي في تخيُّل المستقبل وبنائه إذا ما هُيِّأت البيئة الإيجابية للتعلُّم داخل المدارس، ووُظِّفت التقنيات الرائعة التي تقدمها مناهج التعلُّم الحديث داخل سياق العملية التعليمية، فالمستقبل مليء بالتحديات التي تحتاج إلى الإبداع وإعادة التفكير في المستقبل وتصوُّر العيش فيه بطرائق جديدة وأساليب تناسبه وتناسب متطلباته.
إنَّ إعادة التركيز على تعليم الطلبة إنشاء روابط متعددة لرؤية المشكلات والتحديات المستقبلية من زوايا وسياقات مختلفة ومتعددة بناءً على ما تعلموه في المناهج المختلفة هو المفتاح لصنع حلول حقيقية لهذه التحديات، وإنَّ تشجيع المتعلمين أن على يكونوا منتجين للمعرفة بدلاً من أن يكونوا مستهلكين سلبيين لها والمشاركة الفعالة في النشاطات الإبداعية باستخدام المعرفة التي يكتسبونها لحل المشكلات في سياق العملية التعليمية بإمكانه أن يحول مدارسنا إلى خلايا نشطة للتعلم والابتكار والإبداع.
في الختام:
أقترح على الجهات المختصة بالتعليم وإدارته في الدول التفكيرَ الجدي بتوفير منتديات للنشاطات التي تساعد على التخيل، ويمكن أن يشمل ذلك التأمل الذاتي، والكتابة الإبداعية، والاستماع إلى الموسيقى الملهمة غير الغنائية، والانغماس في الأفلام أو الكتب الإبداعية، وما إلى ذلك.
قبل أن نبدأ في تشكيل المستقبل، نحتاج أولاً إلى تحديد نوع المستقبل الذي نريد أن نعيش فيه، والخيال هو أداة جبارة لاستخدامها في رسم المستقبل، فيقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "المستقبل لمن يتخيله ويصممه وينفذه، إنَّه ليس شيئاً تنتظره، بل تصنعه"، فالقدرة على تصوُّر المستقبل هي أمرٌ مثيرٌ وجذري لنا بصفتنا أفراداً ومجتمعاتٍ ووقوداً للتقدم البشري، وقد يكون هذا هو السبب وراء مقولة ألبرت أينشتاين الشهيرة: "الخيال أهم من المعرفة".