إن التعلّم السريع هو فلسفة متكاملة عن الحياة والتعلم. وبصفته هذه، فهو يشكّل نظرة جديدة كل الجدّة للأمور، تهتم بالتخلص من المكننة، وإعادة الإنسانية إلى عملية التعلم. إنها تعمل على إعادة المتعلم، وليس المدرِّب أو المدرِّس، وليس المواد المساعدة، وليس العروض التوضيحية، إلى مركز العملية التعليمية.
إن التعلّم السريع هو عملية هيكلية, وليست تجميلية. عندما يتم تطبيق التعلّم السريع، فإن ذلك سيترك أثراً على النظام بشكل كامل، كما على شخصية المدرب، والمؤسسة ككل. إن الناس الذين استفادوا من التعلّم السريع على أكمل وجه هم أولئك الذين تعاملوا مع التعلّم السريع كنمط حياة، بحيث تحوَّل المتدربون لديهم من وعاء ينبغي أن يتم ملؤه، إلى نار تنتظر أن يتم إيقادها. كما تحوَّلت البرامج التدريبية من عملية تلقين وصقل ودعاية إلى عربة تحمل الحياة والذكاء والروح إلى المتدربين.
متعة التعلم: إن الاهتمام بشعور المتعلمين بالمتعة هو من أساسيات التعلّم السريع، إلا أن هذه المتعة لا تعني اللهو غير المُفيد وغير المُنتج. إن المتعة هنا تعني إثارة الاهتمام، تعني الخلق الممتع للمعنى من قبل المتعلم، والفهم الجذاب للمضمون. إنها متعة التعرف على كائن جديد. وهذه المتعة أكثر فعالية بكثير من أية تقنية أو أسلوب أو وسائل إيضاح يمكن أن تستخدم لإيصال نفس الفكرة. إن الهدف من التعلّم السريع هو فسح المجال أمام المتدربين لإدراك إمكانياتهم وتوسيع أفقهم، وإعادة متعة التعلم إليهم، والإحساس بالإنجاز والسعادة والذكاء والنجاح، كمتدربين، وكبشر أيضاً.
إن التعلّم السريع هو بالدرجة الأولى النتيجة التي يتم الوصول إليها، وليس الوسيلة المستخدمة. إن هذا الربط بين التعلّم السريع والنتائج هو مسألة جوهرية، حيث أن أية وسيلة، من موسيقى أو أنشطة أو فيديو أو أي شيء آخر، طالما أنها تؤدي إلى نتائج إيجابية في إنتاج تعلم أسرع وأكثر فعالية، هي من وسائل التعلّم السريع. و في المقابل فإن أية وسيلة لا تحقق ذلك هي بعيدة كل البعد عن التعلّم السريع، مهما كانت مبدعة أو مُبتَكرة أو جذابة. إذاً، إذا أردت أن تمارس التعلّم السريع، لا تربط نفسك بأي من الوسائل أو التقنيات، فقط أبق عينك مفتوحة على النتائج.
ينضوي تحت لواء التعلّم السريع الآلاف من التقنيات والوسائل، ولا يزال هذا الرقم في ازدياد، إلا أن هذا ليس كل شيء في التعلّم السريع. فالتعلّم السريع قبل أي شيء آخر هو نظرة إلى التعلم وإلى الحياة، تهدف إلى إعادة الإنسانية إلى العملية التعليمية، واستعادتها من براثن الآلات والتكنولوجيا. وإلى جعل التعلم تجربة تشمل كامل الجسد والفكر، أي كامل "الشخص" المتدرب. إنها بهذا المضمون تعمل على إعادة صياغة العديد من الأفكار الموروثة، والتي أثبت الزمن أنها تعطل العملية التعليمية أكثر مما تدعمها. إن التعلّم السريع ما هو إلا جزء من حركة بنيوية أكثر اتساعاً، تشمل ليس فقط التعليم, بل أيضاً الزراعة والطب والحياة الاجتماعية وكافة المجالات الأخرى. حركة لاستعادة "الحقيقي"، الطبيعي والإنساني، وللابتعاد عن الآلي الصناعي الميكانيكي. إنها باختصار حركة لتغذية الذكاء البشري بأشكاله المتعددة العقلاني والعاطفي والجسدي والاجتماعي والفطري والإبداعي والروحي والأخلاقي وغيرها وعلى كافة المستويات، لاستعادة فعالية العملية التعليمية.
طبيعي: من أجمل ما في التعلّم السريع هو أننا نعرف كل شيء عنه مسبقاً. إنه الطريقة التي تعلمنا بها عندما كنا صغاراً، ليس في قاعة الصف، وإنما في الحياة، من خلال التفاعل مع المحيط، والتعلم مع ومن الآخرين. إن التعلّم السريع هو تعلم طبيعي، يحاكي الفطرة البشرية، ويعطيها المكان الأول في الإبداع.
وعاء مفتوح أم زهرية ضيقة؟ كما يستقبل الوعاء الواسع الفتحة والمتين البنية كل ما يُسكب فيه، يتعلم الأطفال على عدة مستويات معاً ويحفظون ما تعلموه. سرعةٌ وقابلية احتفاظ عالية: إنها خصائص التعلم الأفضل إلا أنه ومع سيطرة التعليم التقليدي، يتحول الكبار إلى ما هو أقرب إلى الزهرية ضيقة الفتحة: تقبُّل أقل للمعلومات، واسترجاع أصعب لها. يصبح التعلم عند الكبار موجَّهاً، مهيكلاً، مُمكنناً، لفظياً بحتاً، وخاضعاً للمعايير الصارمة. إن التعلّم السريع يعمل على استعادة القدرة العالية على التعلم، بأن نتعلم بكليتنا، بحواسنا جميعاً، وعلى عدة مستويات معاً. أن نتعلم مجدداً بالقدرة الجبارة لطفل. إن التعلّم السريع يعمل على استعادة الوعاء المفتوح.
لقد تبين أننا كبالغين نمتلك قدرة على التعلم أكبر مما أتاح لنا التعليم التقليدي (الخطي، اللفظي و المعرفي) تَعَرُّفَهُ واستخدامه. شرح جورجي لوزانوف، وهو واحد من أهم باحثي التعلّم السريع، أن الإدراك الواعي ما هو إلا رأس جبل الجليد، وأن قدراتنا الحقيقية هي في ما وراء ذلك.
ثورة التعلم: لقد حولت مسلَّمات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين التعلم إلى عملية كئيبة وبطيئة وغير فعالة، ولم تنجح كل التقنيات والأساليب التي حاولت تحسين هذا الوضع في تحقيق أية نتائج إيجابية. فنحن لم نكن بحاجة لإصلاح هذه الأرضية، وإنما لإيجاد أرضية جديدة تماماً.
ترتكز الأرضية القديمة على التعامل مع المتعلم كـ "مستهلك"، وعلى الأداء الفردي والتقسيم الفئوي للمواد والمتدربين على حد سواء، وعلى البيروقراطية الإدارية أيضاً وتوقع السلوك النموذجي من المتدربين. من مشاكل الأرضية القديمة هذه أيضاً نظرتها إلى التعلم كعملية معرفية لفظية بحتة، ونظرتها للعملية التدريبية كخط إنتاج متتابع ذي اتجاه واحد.
أما الأرضية الجديدة التي نتحدث عنها هنا، فهي تنظر إلى المتعلم كمبدع، وهي تستند إلى العمل الجماعي المشترك، وعلى كون التعلم عملية شاملة للجسد والروح والعقل. تأتي ضمن هذا الإطار البرامج التعليمية الفعالة، المفتوحة على كامل الاحتمالات، والتي تتنوع في أطرها حتى تستجيب لكل نماذج التعلم وأساليبه.