أن تصبح ممارساً ناجحاً للتعلم السريع، هذه ليست مهارة ميكانيكية يمكن اكتسابها دون أن تتبناها بكُلِّيَّتِك. ذلك أن التعلّم السريع ليس مجموعة من التكتيكات الذكية والمبدعة والتي يمكنك أن تضيفها إلى معتقداتك التعليمية القديمة، إنه مجموعة جديدة كلياً من المعتقدات. إن الفكرة الأساسية هي التالية: ليس التعلّم السريع عملية تجميلية لواقع التعلم، إنه تغيير هيكلي في صلب هذا الواقع. إنه فلسفة جديدة كل الجدة، تبتعد عن المسلمات في عالم التدريب ابتعاداً ملموساً. وهو يتطلب انغماسك كلياً، بقلبك وعقلك وروحك لتتمكن من الحصول على أكبر قدر ممكن من النجاح بواسطته. إن عليك أن تتناغم مع التعلّم السريع بكامل شخصيتك، وأن تشعر بالتغيير الداخلي عميقاً في روحك، وإلا فإنك ستبتعد خطوة فخطوة عن الطريق، وستجد نفسك في مربع النشاطات السطحية غير المبدعة وغير الفعالة على المدى البعيد.
الهمزات الثلاثة لممارس التعلّم السريع الناجح هي: الاهتمام والإبداع والإقدام: إن هذه الصفات الثلاثة هي ما يمكن أن يساعدك لأبعد الحدود في تبنيك ونجاحك في استخدام التعلّم السريع، تذكر هذه الهمزات الثلاث في كل مرة تقف أمام تحد تعليمي جديد.
الاهتمام
إن من الأساسي إن كان لك أن تنجح في جولتك التدريبية أن تكون مهتماً بالمتدربين كبشر يجتازون مرحلة التعليم, وبمادة التعليم ذاتها.
اهتم بالناس
إن الاهتمام الحقيقي بالناس سيدفعك قدماً على طريق النجاح في ممارسة التعلّم السريع. إن كونك مدرباً هو نوع من الحب، إنه وسيلة لمساعدة الناس الآخرين في إيجاد وسيلة لخلق القيم الخاصة بهم وإيقاظهم على المجالات الواسعة والاحتمالات الجديدة التي توجد فيهم. وفي العالم من حولهم. إنه طريقة لمساعدة الناس في الوصول إلى بعدٍ أرحب من النجاح واليقظة والرضا والسعادة في العمل وفي الحياة.
إن ممارس التعلّم السريع ليس مجرد ناقل للمعلومات، إنه من يقدم الغذاء للناس. إنه أبعد ما يكون عن إعطاء مقررٍ ما لجميع الأشخاص بنفس الطريقة، بل له من المرونة والاستجابة الحية ما يكفي للتعاطي مع الموهبة والمقدرة والمعتقدات الخاصة لكل متدرب. فالهدف ليس خلق نظام تعليمي ميكانيكي وناجح باستمرار، بل خلق متعلمين ناجحين، بغض النظر عن النظام الذي يستخدم معهم، وعن أية قواعد ومعتقدات يجب أن يتم تجاوزها.
الاهتمام بالآخرين يعني أن من واجبك ألا تحاول أن تكون المحور ومركز العملية التعليمية، بل أن تعرف متى تتنحى عن الدرب، وتترك لمتدربيك المجال ليبدعوا بأنفسهم. إن المدربين الناجحين هم كالآباء والأمهات الناجحين، يعملون بكد من أجل أن يستغني أطفالهم عنهم ويبنوا استقلاليتهم ونجاحهم الخاص.
الاهتمام بموضوع التدريب
إذا كان الاهتمام بالناس هو حجر الزاوية الأول، فإن الاهتمام بالمادة التي تدريها هو الحجر الثاني. إن المواد التي يتعاطى معها مدربوها بجفاف وميكانيكية وانعدام عاطفة تصل للمتدرب مسطحة وخالية من الإثارة. إن الاهتمام الحقيقي بمادة التدريب، وحتى الشغف بها، أمر لا بد منه لنجاحك في تدريبها إلى الحد الذي يترك أثراً فعالاً لدى المتدربين. إذا لم تكن أنت متحمساً للمادة، كيف تتوقع من المتدربين أن يشعروا بالحماس؟
الشغف إذاً هو الغائب الأكبر من أكثر بيئات التعلم، مع أنه أساس جوهري في التعلّم السريع. فمعظم كتب التدريب وتدريب المدربين تهتم بالتقنيات المستخدمة والأساليب والأدوات، إلا أنها تنسى أن توجه الانتباه إلى ما هو أهم من هذا كله: شغف المدرب بالمادة. إن أي برنامج تدريبي سيكون غير فعال إن كان عبارة عن تقنيات بلا مشاعر فيه. إن شغف المدرب وحماسه وروحه هي ما يلتقطه المتدرب ويضيفه إلى روحه، أكثر من الأدوات والتقنيات.
من البديهي أن الاهتمام بالمادة ليس كافياً للنجاح. لا بد أن تدعمه بتقنيات تعلم سريع فعالة للوصول إلى النتائج المرجوة، إنه ليس الشرط الكافي، إلا أن لزومه أمر مفروغ منه. لا يمكن أن ينهض التعليم دون الاهتمام والشغف الحقيقيين.
الإبداع
"ليس التعليم تطبيقاً لنظام ما، إنه عملية الاجتهاد الدائم" كما قال جاك بارزن. أرغب أيضاً أن أضيف أنه أيضاً عملية الخلق والإبداع الدائمين.
هنالك حاجة ماسة لثورة في عالم التعليم والتدريب اليوم. إنا جميعاً، من نعمل في الحقل التعليمي، مدعوون لئلا نكرر الماضي بمعزل عن عقولنا وأرواحنا، نحن مدعوون لأن نستخدم عقولنا وأرواحنا لنخلق المستقبل.
أبدع، أبدع أبدع. هذه صرخة التعلّم السريع، ولكن انتبه، أنت لست مدعواً للإبداع بهدف الإبداع، وإنما للإبداع بهدف مساعدة الغير على إيقاظ أرواحهم وإدراك إمكانياتهم الحقيقية في التعلم وفي الحياة.
طبعاً، يعيش معظمنا في منظمات تقف حائلاً أمام ذلك. إنها تقمع الإبداع وتوقف أي حركة باتجاهه. يجب ألا نسمح لذلك أن يوقفنا، سواء أحصل بشكل دائم أم متقطع. إن كونك محترفاً لمهنة التدريب اليوم يعني التزامك الدائم بالولاء للإبداع برغم المصاعب. لا تنتظر أن يقودك أحد، كن أنت القائد باتجاه هذا الإبداع.
الإقدام والشجاعة
يتطلب الأمر الكثير من الشجاعة اليوم لكي تكون مختلفاً، وأن تكون قائداً في عملية التعليم والتدريب. إن الخروج عن المألوف والثابت يواجَه دائماً بالرفض، وعليك التعاطي مع هذا. انتبه إلى أن الشجاعة هنا لا تعني أن تكون مغروراً أو أن تنظر بتعال إلى من حولك، أو أن تتحول إلى دوغماتي متعصب للمبادئ الجديدة، بل أن تكون منفتحاً للتجربة، ولخطر الفشل الوارد، وأن تملك جرأة الخروج عن المعايير السائدة، وجرأة أن تكون ما أنت عليه حقيقة، دون أقنعة أو مقدمات، وفي الوقت عينه أن تكون جاهزاً لأن تطوِّر ما أنت عليه، وتتعلم باستمرار. إنك بدون الشجاعة مجرد إنسان آلي آخر في حضارة اليوم، حضارة الانفصال والفصام، وغياب الوعي والإدراك. إلا أنك مع الشجاعة قادر أن تصنع أثراً إيجابياً في مؤسستك، وتوقظ نفسك كما الآخرين على الاحتمالات اللانهائية في الحياة.
إن الشجاعة هي ما يقود، هي ما يؤسس لثقافات جديدة ويحافظ على الأشخاص والمؤسسات والمجتمعات في وضع صحي. لا إبداع بدون الشجاعة، ولا تعليم ولا اهتمام بالنفس أو بالغير قادر على الحياة بدونها. الاهتمام والإبداع والإقدام هي أساسات التعلّم السريع الثلاثة، إن سقط أحدها سقط كامل المشروع. وإن كانت الأساسات الثلاثة متينة، كان كامل المشروع متيناً، وسنتمكن حينها كمدربين من الوقوف بثبات والوصول إلى أبعاد أعلى.
عن ماير بتصرف.
حسين حبيب السيد