يرتكز التعلم المبني على النشاط على القيام بنشاطات تسمح بالحركة الجسدية أثناء التعلم, بغرض استخدام أكبر قدر ممكن من الحواس, وإعطاء الفرصة لكامل الجسد والعقل للانخراط في العملية التعليمية. يميل التعليم الكلاسيكي لإبقاء المتدربين ساكنين في مقاعدهم لفترة طويلة من الزمن، وهي الحالة التي تؤدي نظرياً إلى شلل الدماغ وإبطاء التعلم أو حتى إيقافه كلياً. لا بد من الحركة لإيقاظ المتدربين وتنشيط الدورة الدموية في الدماغ، وهو ما يمكن أن يحمل نتائج إيجابية لعملية التعلم. من هنا فإن التعلم المبني على النشاط أكثر فاعلية في التدريب من ذلك المبني على العروض أو المواد التدريبية أو الملتيميديا. لأنه ببساطة يجعل الشخص منخرطاً في التعليم بكليته. لقد أثبتت التجارب مرة بعد أخرى أن المتدربين يحصّلون نتائج أفضل إذا ساهموا في نشاطات منتقاة بعناية من تلك التي يحصلونها إذا جلسوا يستمعون إلى المدرّب أو أمام شاشة التلفاز أو الكمبيوتر أو أمام كتيب تعليمات.
افعل شيئاً، لا تجلس ساكناً: إن الأطفال هم أفضل المتعلمين، لأنهم، وبالفطرة فقط، يتعلمون بكامل ذواتهم. هل يمكن لك أن تتخيل ما يمكن أن يتعلمه طفل ما إذا جلس في قاعة محاضرات لساعات طويلة؟ إن ما غفلنا عنه لزمن طويل هو حقيقة أن هذه الحالة صحيحة بالنسبة للكثير من البالغين أيضاً. إن إهمال الجسد والاعتماد على المنطق كبوابة وحيدة للتعلم يترك الدماغ نائماً. لقد سبق أن عانيت أنا بنفسي من هذه الظاهرة، ففي أحد الأيام، وكنت مشاركاً في مؤتمر التدريب 99 في شيكاغو، كان على حضور محاضرة أساسية حول كيفية تصميم العروض الديناميكية في التدريب. لقد استغرق بي الأمر عشر دقائق قبل أن أغرق في نوم دماغي عميق. وقد تساءلت في ذلك اليوم عن نسبة من كانوا في تلك المحاضرة في نفس الحالة التي كنت أنا فيها. إن السبب لم يكن قلة أهمية المواد أو إتقان المحاضرة، وإنما اضطرارنا للسكون التام وعدم الإتيان بأي حركة. والآن، وبعد سنوات طويلة من مراقبة التدريب، أستطيع أن أحكم جازماً أن التعليم وأنت نائم غير ذي فائدة.
كيف نعطي الجسد فرصة أن ينخرط في التعليم؟
إذا أردت أن تحفز هذا الكيان الجسدي العقلي، عليك أن تصمم برامجك التدريبية بطريقة تخرج المتدربين من مقاعدهم من فينة لأخرى وتدفعهم للحركة والنشاط. ليست الحركة الجسدية أساسية في كل نشاطات التعليم، إلا أنك عندما تناوِب بين النشاط الذي يتيح الحركة الجسدية وذلك الذي لا يحتاج إليها، فإنك تعطي الفرصة لكل أشكال التعلم بالحدوث.
العودة إلى ما هو سمعي: إذا أردت أن تصمم برامج تعليمية أو تدريبية تخاطب الجانب السمعي لدى المتدربين، عليك أن تبحث عن طرق تجعلهم يناقشون ما تعلموه معاً. يجب أن يتمكن المتدربون من ترجمة التجربة إلى أصوات، اطلب إليهم أن يقرؤوا بصوت عال، وبطريقة درامية أيضاً إذا رغبوا بذلك. اجعلهم يتحدثون وهم في خضم العملية، سواء أكانوا يناقشون حلاً ما لمشكلة ما، أو يتعاملون مع نموذج ما، أو يقومون بجمع المعلومات، أو يضعون خططاً لتنفيذ مشروع ما، أو حتى مجرد أنهم يحاولون فهم موضوع ما.
العودة إلى ما هو بصري: من المهم بالنسبة للجميع أثناء التعليم، وخصوصاً أولئك الذين يميلون للبصرية في نمطهم التعليمي، أن يشاهدوا ما يتحدث عنه المدرب أو الكتاب أو البرنامج الحاسوبي. فالجميع يتعلم بشكل أفضل عندما يرى أمثلة من العالم الواقعي أو أشكالاً أو خرائط أفكار أو أيقونات أو صور من جميع الأشكال. وفي بعض الأحيان، يتعلم المتدربون بشكل أفضل بكثير إذا قاموا بأنفسهم بصناعة أدوات المساعدة البصرية التي عددناها. على سبيل المثال، كان هنالك تجربة ناجحة عندما طُلب إلى طلاب الصفين السابع والثامن في مدينة نيوجرسي أن يرسموا وظائفهم على شكل مصور توضيحي بحجم الجدار، فقد أظهروا اهتماماً أكبر ودرجة أعلى من الفهم. كما يساعد هذا الأطفال، فهو صالح للكبار أيضاً. يستفيد المتدربون من تصميم المصورات التوضيحية أو الأيقونات أو النماذج ثلاثية الأبعاد وغيرها من أدوات المساعدة البصرية التي تدور حول المادة التدريبية. لقد قامت إحدى الشركات بالطلب إلى العمال أنفسهم أن يرسموا مخططات عمل وأيقونات ووسائل إيضاح عن المكنات التي يستخدمونها (وذلك عندما أُعيدت هذه المكنات إلى الخدمة بعد غياب طويل)، ومن ثم وضعها على جدران غرفة الإنتاج وعلى الآلات، كان ذلك ناجحاً جداً في استعادة الخبرة القديمة التي كانت لدى هؤلاء العمال.
التعلم الفكري: تعني كلمة "فكري" ما يفعله المتدربون داخل رؤوسهم أثناء ممارستهم لذكائهم الخاص في عمليات التفكير بالتجارب وخلق الروابط والمعاني وحل المشاكل وبناء المعرفة. إن كلمة فكري بالسياق الذي أؤمن به هنا تعني إذاً عملية بناء الفهم السليم، حيث "يفكر" الإنسان، ويربط التجارب ببعضها البعض وبالحقائق، ويسمح لدماغه بخلق شبكات عصبية جديدة، ويتعلم! إن الفكري هو الطريقة التي يحول بها الإنسان الخبرة إلى معرفة، والمعرفة إلى فهم، والفهم، كما نأمل جميعاً، إلى حكمة. إذا فشل أي تمرين تعليمي، مهما بلغت جاذبيته أو ذكاء تصميمه، في تحدي هذا الجانب الفكري واستثارته لدى المتدرب، فإنه لن يكون للكثيرين أكثر من تمرين سطحي وغير ناجح. إن الجانب الفكري إذا حضر، فهو المكون الذي سيتيح للمتدربين قبول حتى أكثر الألعاب طفولية وصخباً في الطريق إلى التعلم الصحيح.
عن ماير بتصرف.