لقد كانت الغاية التعليمية في القرن التاسع عشر - وهو ما يزال يؤثر على الكثيرين حتى يومنا هذا - هي تدريب المتلقي على أنماط سلوكية خارجية شديدة التحديد، بهدف إنتاج خرْجٍ محدد معياري وقابل للتوقع. كانت المهمة أمام التعليم هي تقريب السلوك من روتين التفكير والإنتاج، وهو ما استدعى مسح شخصية المتعلم ومحاولة خلق شخصية جديدة له. إن المشكلة الأساسية التي تواجه هذا الأسلوب التعليمي الذي يحاول تحضير الناس لحياة بسيطة وخالية من المفاجآت هي أن هذه الحياة لم تعد موجودة في يومنا هذا، وقد استغرقنا الكثير من الوقت لفهم ذلك.
أما تعلم القرن الحادي والعشرون: إن الغرض من التعليم والتدريب في يومنا هذا هو تحضير الناس لعالم متغير باستمرار، عالم يحتاج فيه الجميع لإطلاق طاقاتهم الكاملة العقلية والروحية، والتصرف انطلاقاً من إبداع عقلي، وليس انطلاقاً من روتين خال من التفكير. لم نعد اليوم بحاجة إلى تحويل المتدربين إلى نسخ كربونية كما كنا في القرن التاسع عشر، بل نحن بحاجة إلى إنتاج "نسخ أصلية" قادرة على ممارسة الطاقة الكاملة لإمكاناتها وقدراتها الواعدة. نحن بحاجة إلى إطلاق العبقرية الخاصة لدى كل موظف، بدلاً من قمعها ومحاولة مسحها تحت شعار المعيارية أو ثقافة المؤسسة.
عودة إلى النظرة الكلية: إن النظرة الكلية هي من المفاتيح الذهبية في التعلّم السريع. لا بد من النظر إلى كلية المعرفة، كلية الشخص، كلية المؤسسة، وحتى كلية الحياة ذاتها. إن هذه النظرة هي على تناقض تام مع مبدأ التقسيم إلى أجزاء الذي طالما كان سائداً. اهتم العلم الغربي منذ أيام أرسطو بتجزئة وتحليل وتصنيف عناصر الوجود، وقد أدى ذلك إلى بعثرة الحياة وبعثرة التعليم. نحن اليوم بأمس الحاجة للعودة إلى كليتنا. نحتاج إلى أن نفهم أن التعليم ليس عملية معرفية بحتة، وإنما هو عملية تشمل الشخصية بأكملها، العقل والجسد والروح، هذه الثلاثة التي تصنع العبقرية الخاصة لكل شخص. لم تعد النظرة إلى المتعلمين بوصفهم مستهلكين سلبيين لمعلومات تردهم من غيرهم، بل إنهم منتجون فعالون لمعارفهم ومهاراتهم الخاصة. هنا تكمن ثورة التعلم.
التعلّم السريع هو: التعلم بكامل العقل، التعلم بكامل الجسد: تشير أحدث الدراسات إلى أن الإنسان يتعلم بكامل جسده وبكامل عقله, بشكل لفظي أو غير لفظي، عقلانياً وعاطفياً وجسدياً وفطرياً، في آن معاً يمكن لهذا المبدأ أن يفسر لنا لماذا يمكننا أن نتعلم كماً كبيراً من المعلومات دفعةً واحدة عن طريق الانغماس في الموضوع، ولماذا نواجه صعوبة في تعلم نفس الكم عندما نجزئه إلى أقسام أصغر على فترات متلاحقة غير مترابطة. يفسر لنا هذا المبدأ أيضاً لماذا يمكن لنا أن نتعلم اللغة الفرنسية مثلاً في ثلاثة أشهر عندما نعيش مع عائلة فرنسية، ولا يمكننا فعل ذلك خلال سنوات ثلاثة من الدراسة الثانوية. يمكن لك من هنا أن تفهم سبب تركيز التعلّم السريع على الإطار الشامل لعملية التعلم، وليس على المحتوى فقط. يضع التعلّم السريع المتدربين في بيئة ملائمة مادياً وعاطفياً واجتماعياً، بحيث يعطيهم إحساساً بالاندماج ببيئة أقرب ما تكون للعالم الحقيقي.
قام دون شستر من جامعة ولاية أيوا، وكل من راي بوردون وتشارلز غريتن خلال السبعينات بتطبيق هذه الأفكار على التعليم المدرسي والجامعي، وكانت النتائج إيجابية. بناء على ذلك، قام هؤلاء ومجموعة أخرى من العاملين في مجال التعليم بتأسيس ما سمي بجمعية التدريس والتعلم المتسارع (SALT)، والتي بدأت بعقد مؤتمرات سنوية في الولايات المتحدة جذبت إليها أساتذة جامعات ومدرسي مدارس ثانوية ومختلف محترفي التدريس من جميع أنحاء العالم. بلغ عمر هذه الجمعية الآن أكثر من خمس وعشرين سنة، وقد أعادت تسمية نفسها لتصبح: التحالف الدولي للتعلم (IAL) ولا تزال تقوم بعقد المؤتمرات في الولايات المتحدة والتي يشارك فيها محترفون من جميع أنحاء العالم. وهنالك جمعية مشابهة في بريطانيا تطلق على نفسها اسم جمعية التعلم المؤثِّر الفعال (S.E.A.L)، وفي ألمانيا شكل بعض ممارسي التعلم "السريع" ما أُطلق عليه اسم الجمعية الألمانية للتعلم التجريبي (D.S.G.L). وفي العالم العربي تم تأسيس مركز دبي للتعلّم السريع (DALC).