«مليكة تبحيري» منسقة تكوين في مُؤسَّسة تكوين الأطر في الميدان الصحي تقول: "كان يوم السادس عشر من سبتمبر / 2010 م، هو أول يوم دراسي للسنة الجامعية بالنسبة إلى الطالبات... وعادة ما تجد الطالبات في هذا اليوم بعض الصعوبات لاستئناف الدراسة بعد العطلة."
وكانت لدي أول حصة من أربع ساعات بعد الظهر، في مادة منهاج البحث العلمي وهي مادة صعبة وتتطلَّب من الطالبات قدراً كبيراً من التركيز. بدأنا الحصة بوضع ميثاق السنة الدراسيَّة فبدا الأمر مثيراً للاهتمام. بعد ذلك طلبت من المُتعلِّمات مغادرة القاعة فبدأت بعض التساؤلات والضحكات. وخارج القاعة أخبرتهن بأن الدرس سيكون عبارة عن رحلة بالقطار. ومرة أخرى بدا الأمر مثيراً. ثم دخلنا قاعة الدرس وجلست كل منهن في مقعدها وبدأت الرحلة.
وجدت من قبل الطالبات تجاوباً كبيراً لم أعهده فيهنّ من قبل. لقد تبدد كل الفتور الذي كان يبدو عليهنّ أول الحصة، آخر الحصة قسمت المُتعلِّمات إلى مجموعات الشرح الثنائية. ثم بعد ذلك وفي خمس مجموعات، أجرينا مسابقة للإجابة عن أسئلة من مادة الدرس، فساد جو من المتعة والمرح داخل الفصل. وفي اليوم التالي كان موعدنا مع الحصة الثانية من المادة نفسها. كانت الساعة الثامنة صباحاً، وعندما وصلت إلى ساحة المبنى وجدتها فارغة تماماً أين الطالبات؟ إعادةً ما أجدهنّ دائما هناك وهنّ يحاولنّ استغلال آخر الدقائق قبل بدء الحصة في الحديث أو .... فقلت في نفسي ربما شعرنّ بالتعب بعد اليوم الأول وقررن عدم الحضور، وعند اقترابي من قاعة الدرس. علت وجهي ابتسامة عريضة لما رأيت، لقد كان الجميع، وعلى غير عادتهن، أمام الباب ينتظرن بتشوق بدء الحصة.
بهذه الممارسة استطاعت "مليكة" أن ترسخ ثقافة فيما يعرف بالتعلُّم السريع (Accelerated learning) لدى طالباتها الجامعيات.
من أهم خصائص التعلُّم السريع كما تقول المصادر "إمكانية تطبيق تقنيات/ آليات/ فلسفة التعلُّم السريع في مجال العمل والحياة، ونقل الخبرة إلى أرض الواقع"، ربما تتفق معي عزيزي القارئ في أن المُتدرِّب/ الممارس المعتمد في التعلُّم السريع هو من يرسخ ثقافة التعلُّم السريع في مؤسسته، فهو من يمتلك مهارات التطبيق والتدريب التي تؤهّله لتدريب الآخرين. إليك هذا الموقف.
في نهاية اليوم الأخير من الدورة قدّم المُدرِّب للمُتدرِّبين (أستاذ جامعي، أستاذين من معهد، ومُوظَّفين لوظائف مختلفة) أحد أنشطة مرحلة الأداء لحلقة التعلُّم السريع بعنوان: بطاقات بريدية للمتابعة وفيه: يطلب من المُتدرِّبين أن يرسلوا بطاقات بريدية إلى أنفسهم، وأن يكتبوا عليها كيف سيُطبِّقون ما تعلموه (في العمل أو في الحياة العمليَّة)، وأرسلها إليهم بعد البرنامج بشهر. ليوفر للمُتدرِّبين فرصة لتقويم ما حققوا من خططهم، مع تلقيهم للدعم والتعزيز. فمثلاً: من الممكن تحديد موعد للقاء المجموعة في وقت ومكان مُحدَّدين بعد شهر من البرنامج
ولما كان أحد المبادئ الرئيسة من حضور الدورة التدريبيَّة هو الاستفادة مما يطرح في تلك الدورة من تجارب وممارسات وأفكار تعلميَّة جديدة، ونقل ما يناسب منها بعد دراستها.
لذا تقدم الاستاذ الجامعي بطلب إلى رئيسه، حول توظيف الأفكار والاستراتيجيات التي تم التدرّب عليها في دورة التعلُّم السريع في التدريس الجامعي تنفيذاً لهذا المبدأ. وأرفق الأستاذ الطلب بأوراق العمل والخطة المعدة من قِبَلِه، وأبدى استعداده القيام بالتدريب للأساتذة الآخرين، وتطبيق تلك الاستراتيجيات على المُقرَّر المناسب لها.
وبعد أسبوع جاء الرد شكراً لإحاطتنا علماً بمثل هذه التجارب الرائدة. وأنتظر الأستاذ ما سيتبع ذلك ولكن لم يحدث أي تطوّر؟ وحين تمت متابعة الأستاذ الجامعي من قِبَلِ المُدرِّب، كان الرد. آسف لم أتشرف بنقل الخبرة المتميزة إلى غيري، طلاباً كانوا أم اساتذة؟ فهل يجوز هذا؟
يقول (Peter Senge , 1990) في كتابه الشهير "المُنظَّمة المُتعلِّمة، النظام الخامس": لا يكفي أن يتعلَّم شخص واحد ثم يقوم بتحديد ما تحتاج إليه المُنظَّمة ويتبعه الباقون، إن المُنظَّمة التي ستنجح في المستقبل هي التي تكتشف كيف تستفيد من طاقة التعلُّم لدى جميع أفرادها، إذ أن علم المُنظَّمة أكبر من مجموع علم أفرادها، إلا أن العامل الأساس هو كيف ننقل علم الفرد إلى المُنظَّمة كلّها.
إن الجامعة، كأي مُنظَّمة مُتعلِّمة تنمو باستمرار، ويمكن أن تحتوي على من هو معاق تعليمياً، أو معيقٌ تعليمياً، أو محدود ومُحدَّد للآخرين. ويمكن أن تحتوي على عادات ثقافيَّة في إمكانها أن تعيق أي عمليَّة تعليم وتطوير. ولذلك، فإذا أردت أن تقوم بثورة تعليميَّة في مكان عملك، وجب عليك أن تتطلع إلى مؤسستك كلها، وتتيح لأفكار التعلُّم السريع أن تلمس الجميع، وتبث الروح في الجميع.
إليك أيها الأستاذ/الإداري الجامعي بعض الأفكار التي يمكن أن تفيدك بوصفها لتكون بداية في معرفة ما يمكنك فعله لتحضير منظمتك للثورة التعليميَّة، وفي الوقت نفسه في بناء مجتمع أكثر صحية وملاءمة للعمل والحياة.
أفكار للنمو مُتعدِّد الأبعاد:
- احرص على تدريب نسبة كبيرة من مسؤولي التدريب والتطوير في جامعتك على تقنيات وفلسفة التعلُّم السريع.
- وزع إضافات خاصة (بوسترات أو بطاقات أو مواد معينة للعمل) تشرح أفكار التعلُّم السريع في المكاتب. واحرص على أن تكون هذه الإضافات جذابة وجميلة. ضعها في أي مكان يرتاده المُوظَّفون بشكل دائم
- استضف خريجين من دورات سابقة اتَّبعت أسلوب التعلُّم السريع، واطلب منهم أن يشرحوا تجربتهم ويحكوا قصص نجاحهم للمُوظَّفين الجدد الذين التحقوا توّاً بهذه الدورات.
- قم بعمل فيديو يصور تجربة ناجحة في مجال التعلُّم السريع وتوزيعه في الجامعة. يمكن أن يحتوي الفيديو على شهادات حية أو مقاطع من ورشات عمل تم فيها تبني التعلُّم السريع، أو غير ذلك.
- درّب مجموعة كبيرة من أعضاء الجامعة على كيفيَّة إجراء تدريب حيّ خاص (شخص لشخص) بطرائق التعلُّم السريع.
- ثقِّف الإدارة باستخدام السمنارات وورشات العمل وحلقات البحث والعروض والنقاشات الثنائية.
- اطلب من المديرين أن يتبادلوا الأفكار مع أخصائيي التعلُّم السريع عن كيفيَّة تطوير العمل التدريبي في الجامعة.
- انظر إلى أفراد فريق العمل الذين يقدمون أفكاراً هامة لتطوير تجربة التعلُّم السريع في جامعتك، وقدم لهم مكافآت مناسبة.
- توقف عن تقديس الجامعة، نحن هنا لا نقترح أن تكون جاف المشاعر وقاسياً، بل قم بما يلزم لتطوير التعلُّم في المُؤسَّسة، دون انتظار الموافقة من الأعلى، ودون انتظار اجتماع طارئ يعطيك الضوء الأخضر.
- احرص على أن يكون التعلُّم السريع ضمن جدول أعمال الاجتماعات على مستوى الأقسام والإدارة العامة.
- نظِّم اجتماعات دورية لممارسي التعلُّم السريع في جامعتك حيث يمكنهم تبادل المعلومات والأفكار والمعدات، وتجديد أفكارهم معاً.
- حضّر خطة من ثلاث مراحل لتبني التعلُّم السريع في المُؤسَّسة، احصل على دعم مديري الصف الأول لهذه الخطة.
- وبما أننا لا نرغب بأي شكل من الأشكال في قول الكلمة النهائية في التعليم والتدريب، ولأنه ليس هنالك من وجود لمثل هذه الكلمة النهائية، فإننا نرجوك ألا تأخذ أيا من أفكار هذا المقال أو استنتاجاته بوصفها عقيدة نهائية. نحن نحاول فقط أن نفتح الباب أمام نوع جديد من التفكير والنقاش والفعل الإيجابي، ومهمتك أنت أن تقوم بهذا التفكير والنقاش والفعل
المراجع
- ماير، ديف (2010)، التعلُّم السريع، الإشراف العلمي: محمد بدرة، ط1، إيلاف ترين للنشر، دبي.
- Senge,P. (1990) The fifth discipline : The art and practice of the learning organization , New York : Doubelday