"سيد بارنز، لَم أَشعُر بمضي الوقت في هذِهِ الحصة، على خِلاف حِصَصٍ أخرى يَمرُّ بها الوقتُ بطيئاً". ذلك ما قاله شابٌ في الدقائق الأخيرة من الحصة لمعلِّمه "مارك بارنز". لا يعدُّ الوصول إلى هذا الانغماس والشغف أو الرغبة الحقيقية للتعلُّم لدى الطالب أمراً مستحيلاً، بل يحتاج معلِّماً ماهراً مثل "مارك بارنز" (معلِّمِ الدقائق الخمس).
ترتكز هذه الفلسفة على خمسة محاور:
وفي حين قد تتساءل متعجِّباً: "ما الدرس الذي يستغرق تدريسه خمس دقائق فقط؟"، و"كيف يمكن للمعلِّم اختصار زمن الحصَّة في خمس دقائق؟"؛ فإنَّك ستقف منبهراً عند أسلوب (معلِّم الدقائق الخمس)؛ لما له من فوائد يجنيها المعلِّم والطلبة على حدٍّ سواء.
سنعرِّفك في السطور الآتية على مؤشِّراتِ نجاحك في تطبيق هذه الطريقة في التدريس، والاستراتيجيات السبع التي تقوم عليها، وستصل معنا إلى تحقيق الهدف الأهم: ترك أثرٍ قويّ في عقول وقلوب طلبتك؛ لأنَّك ستساعدهم على التواصل مع فطرتهم الإنسانية، ليصبحوا محور عملية التعلُّم داخل بيئة تعلميةٍ صافيةٍ ومثيرةٍ وممتعة، وتكون أنت جزءاً منها.
مصطلح "معلِّم الدقائق الخمس":
يشير هذا المصطلح إلى فكرة أنَّ التدريس يجب أن يحدث بجرعاتٍ صغيرةٍ لا تتجاوز خمس دقائق يقدِّمها المعلم، وتتيح للطالب استكشاف المحتوى على نحوٍ فرديٍّ وتعاوني، وذلك باستخدام أنشطةٍ غنيَّةٍ تقوم على مشاريع ونقاشاتٍ بين الطلبة، وأدواتٍ رقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
الفوائد التي يجنيها المعلم والطالب من تطبيق هذه الاستراتيجية في التعلُّم:
قد تظنُّ أنَّ هذا النهج جديدٌ في عالمك المهني، إلَّا أنَّه ليس كذلك؛ فقد طبَّقته العديد من الدول، وأثبتت نجاحاً واضحاً في مجال التعلُّم السريع، وحَصَدَ كلٌّ من المعلِّم والطالب فوائدَ كثيرة كان من أهمِّها:
- تعدُّد مصادر اكتساب المعرفة؛ فلم تقتصر عملية اكتساب المعرفة على المعلِّم كمصدرٍ أوحد، ولا على التلقين الجماعي كأسلوبٍ وحيدٍ في إيصال المعلومة.
- انغماس الطلبة في عملية التعلُّم القائم على طرح الأسئلة، والبحث عن إجاباتها.
- ضمان استمرار حماس الطلبة للتعلُّم وتجاربه القائمة على الاكتشاف الذاتي حتَّى آخر دقيقةٍ في الحصة الدراسية.
مقياس نجاح هذه الاستراتيجية:
إن كنت ممَن يتَّبعون هذا النوع من التدريس، فستكون عضواً غير اعتياديٍّ في الحصَّة الدراسية. تحتاج هنا إلى مفتاحين لتحقِّق بهما نجاحاتك المبهرة من الآن، وهما:
- المفتاح الداخلي: تَخَلَّ عن وَهْمِ السيطرة، وعن الإيمان بأنَّ المعلِّم هو المصدر الأوحد للمعرفة والمعلومة؛ وذلك بتغيير نمط تفكيرك كمعلِّمٍ من خلال: التفكير، والبحث، والحديث عن أفضل الطرائق التي يتعلَّم بها البشر (والصغار على وجه التحديد).
- المفتاح الخارجي: شَجِّعْ طلَّابك على اكتشاف المفاهيم والمهارات بأنفسهم؛ لأنَّ هذا الأسلوب في التدريس يعتمد على الطلَّاب واكتشافهم الذاتي للمعرفة، وذلك من خلال البحث والمناقشات الجماعية.
استراتيجيات التدريس في 5 دقائق:
إذا اقتنعت تماماً بالدور المشترك بينك وبين الطلَّاب في قيادة الحصة الدرسية، فإليكَ الاستراتيجيات السبعة التي ستصنع منك (مارك بارنز) جديداً:
1. حدِّد أكثر الأجزاء أهميةً في الدرس:
أثبتت النظريَّات التربويَّة أنَّ مفتاح نجاح أيِّ درس: تولِّي الطلبة عملية الاكتشاف الذاتي للمعلومة. وحتَّى يتحقَّق ذلك، عليكَ كمعلِّمٍ أن تتخلَّى عن سلطتك في تحديد أسلوب تفكير الطلبة، وفي توجيه أنظارهم إلى التركيز على زاويةٍ واحدةٍ من الدرس؛ كما سيكون الأمر في منتهى السهولة إذا قرَّرت أن تَسْتَغنِي عن الأنشطة التقليدية المملَّة القائمة على الحفظ الأصمِّ من المقرَّرات الدراسية، وشرائح العرض، وأوراق العمل المليئة بالمعلومات.
ما عليكَ إلَّا أن تطوِيَ هذه الصفحة، وتبدأَ من جديدٍ بأسلوبِ المعلِّمِ الحاذقِ:
- حَدِّدْ أكثرَ أجزاء الدرس أهميّةً، وخَطِّطْ كيف يمكنُك التحدُّثُ في أقلِّ وقتٍ ممكن، مقابلَ الوقت الذي سيقضيه الطلبة في البحث والنقاش الجماعي.
- ابتكر وسائل تجعل الفصل يحفَل بالحركة والنقاشات الفاعلة. يمكنك أن تستخدم المحاكاة ولعب الأدوار، والتي ستشغل الطلبة بالتخطيط وحلِّ المشكلات بشكلٍ جماعيٍّ مشترك.
- أشعِلْ حماسَ الطلبة وفضولَهم للتعلُّم، وذلك باستخدام تقنيات الأسئلة المختلفة الجوهرية، والتي تُبقِي النقاشاتِ الحماسيةَ دائرةً بين الطلبة بلا توقُّف.
تلك هي مَهَمَّتك الجديدة.
2. دع الطلَّاب يُعلِّمون أنفسهم:
أن تتعلَّم "متى عليك أن تكفَّ عن الكلام" هو الفنُّ الذي عليك إتقانه إذا أردت أن تكون "معلِّم الدقائق الخمس"، وهو أساس نجاح الدرس الذي يركِّز على الطالب، ويقوم على تحقيق النتائج فقط.
تذكَّر أنَّك كلَّما أطلت الحديث، انفصل الطلبة عن المادة؛ وهذا ما يعانيه التعليم التقليدي تماماً. لذا عليكَ أن تبقى طبيعياً وتحافظ على حيوية تدريسك، ولا تبالغ فيه.
واعلم أنَّك ما إن تتعلَّم كيف تجزِّئُ درسك إلى أجزاء صغيرة، وتحدِّدُ موضعها بدقةٍ خلال الحصة؛ يبدأ الطلبة بالاستكشاف ومساعدة بعضهم بعضاً، وبذلك سيكون تدخُّلك بسيطاً، وينحصر في إطار التأكُّد من أنَّ ما يناقشه الطلبة قريبٌ من موضوع الدرس؛ لأنَّ الأقران أكبرُ تأثيراً في التعلُّم منك.
وسترى أنَّ الطالب الذي كان متلقياً صامتاً في وقتٍ سابق، صار مشاركاً فاعلاً في التعليم اليوم؛ وستدرك أنَّ تلك التحديات التي كنت تواجهها يوماً، مثل: كثافة المناهج، ومعايير التقييم، وضغوط الإدارة، وأولياء الأمور، ومساعدة الطلبة على اجتياز الامتحانات، والحصول على أعلى النتائج؛ قد صارت مذلَّلةً سهلة التحقُّق.
3. خطِّط بعناية:
ستبقى القواعد التي تستخدمها في التخطيط اليومي للدرس سارية، إلَّا أنك ستحتاج إلى دقةٍ أكثر في تحديد الأسئلة الموجَّهة إلى الطلبة، بغية العمل في مجموعاتٍ تعاونية يكتشفون فيها الإجابة، مع ضرورة توفير الموارد اللازمة للبحث والتقصِّي.
خطِّطْ للفيديو الذي ستعرضه عليهم باختيار نوعه ومدة عرضه، ولمَهمَّة المجموعات الصغيرة في البحث، وتخيَّل مرحلةَ مشاركة النتائج في النهاية، ولا تغفل عن إعطائهم الوقت الكافي للتأمُّل حول ما تعلَّموه ونتائجِ وتأثيرِ ذلك في الواقع، وارتباطِه بالحياة اليوم.
ليس المطلوب منك أن تخطِّط لكلِّ دقيقة؛ بل العكس، عليك أن تتحلَّى بالمرونة للانتقال من نشاطٍ إلى آخر، وإعطاء استراحةٍ بعد أيِّ نشاطٍ طويل. ستجد مع الخبرة أنَّ بعض الأجزاء ستتجاوز الوقت المقدَّر لها بسبب شدة انغماس الطلبة في التعلُّم؛ ولا بأس في ذلك، فالطالب هو من يقود الفصل. عُدَّ ذلك الأمر مؤشِّراً إيجابيَّاً؛ لأن وجود دقائق إضافية في صلب الدرس جزءٌ من التخطيط البارع.
واعلم أنَّ سرَّ التخطيط الجيد إتاحةُ فرصة تعلُّمٍ متميِّزةٍ لكلٍّ من الطلبة ذوي الدافعية العالية للتعلُّم، والذين ينغمسون بسهولة في الدروس؛ وكذلك الطلبة الأقلُّ دافعيةً للتعلُّم، حيث ستجد أنَّ حياتهم تتغيَّر في هذا النوع من الفصول الدراسيّة.
4. سخِّر قوَّة الفيديو:
أهمُّ جانبٍ يقدِّمه الفيديو هو الاختصار؛ لذا اختره بعنايةٍ وتخطيطٍ مسبق. أقوى مقاطع الفيديو هي التي تعزِّز قيماً مثل الصداقة وحبِّ الاكتشاف والتعاون؛ فهي تجعلهم ينخرطون في التعلُّم، وتبثُّ فيهم اهتماماً أصيلاً وعميقاً بالمادة.
اختر مقطعاً يستغرق دقيقةً إلى أربع دقائق كحدٍّ أقصى. ربَّما تحتاج إلى تجزئة فيديو واحدٍ إلى مقاطع تستخدمها في دروسٍ متعددة، كما ستحتاج إلى موقعٍ لتجميع مقاطع الفيديو كنوعٍ من المراجع التي يمكن للطلبة العودة إليها في أيِّ وقت؛ أو ابحث في مكتبات الفيديو التعليمية المجانية المتاحة عبر شبكة الإنترنت.
يقترح عليك (بارنز) موقع TED-ED، الذي يحتوي أسئلةً لاختبار الفهم، وأسئلةً استفتاحيةً للمناقشة مع كلِّ فيديو.
5. كن دليلًا غيرَ مباشرٍ:
نجاح هذه الاستراتيجيات قائمٌ على رغبةٍ صادقةٍ لدى المعلِّم التقليدي بنزع عباءة المُحَاضِر، والتخلِّي عن وهم السيطرة على أسلوب التعلُّم، والشجاعة في الاعتراف بأنَّ طرائقه التي يستخدمها لا تتناسب والطريقة التي يتعلَّم بها الطلبة، بل إنَّها غيرُ مجديةٍ في إثارة دافعيَّتهم أو حماسهم للتعلُّم؛ كما ويعتمد هذا النجاح أيضاً على استبدال نظام وضع الدرجات التقليدي القائم على مشاعر الخوف والترهيب للطلبة، واعتماد نظامٍ أفضل يناسب بيئة التعلُّم الجديدة القائمة على النتائج، والتي يكون الطالب فيها محور عملية التعلُّم.
والآن، كلُّ ما عليك فعله أن تكون دليلاً غير مباشر، وترشد الطلبة نحو الاتجاه الصحيح، وتفتح لهم الطريق؛ ولأنَّ هذه المهارة هي الأهم، فعليكَ أن تتحلَّى بالصبر، خاصةً وأنَّها ستأخذ من وقتك الكثير إلى أن تكتسبها وتتقنها.
واعلم أنَّ الطلبة في كلِّ المراحل يحتاجون التشجيع والتوجيه منك، لينطلقوا نحو مشاركتك المسؤولية؛ وعندها ستجد نفسك عضواً في بعض هذه المجموعات، تُنسِّق وتشارك بدل أن تُحاضِر وتُملِي نشاطاتٍ وطرائقَ تقويم.
ولتكون مرشداً ودليلاً متمكِّناً، يقدِّم إليك (بارنز) بعض الإرشادات لتتَّبعها:
- استخدم ساعة التوقيت للتركيز على المهمَّة وتعليم الطلبة استكمال مهمَّةٍ قصيرةٍ بمتعة.
- اسأل: ماذا لو؟ بدلاً من مجرَّد الإجابة عن أسئلتهم، فتعلِّمهم هذه الطريقة كيف يصلون إلى الإجابة بأنفسهم، ويكتشفون خلال الرحلة مفاهيمَ ومهاراتٍ بسهولةٍ أكبر.
- استخدم أدوات الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وأجهزة الهاتف النقَّال والتطبيقات، والفنون والحرف اليدوية، واستفد من التأمُّل ونشاطات المجموعات الصغيرة التي تحفِّز جميعها على البحث عن المعرفة.
- عيِّن موقعاً في الفصل كي تُدَرِّسَ منه، وسوف يعتاد الطلبة عندما يَرَوْنَكَ تقفُ في هذا الموقعِ أن يتوقَّفوا عمَّا يقومون به.
- تحرَّك وجاري حركةَ طلبتِك المستمرةَ داخل الفصل من نشاطٍ إلى آخر، وتجوَّل في الصفِّ متحدِّثاً إلى طلَّابك لتشجيعهم، وانضمَّ إلى المجموعات أو الأفراد؛ فأنت جزءٌ من عملية التعلُّم.
- توارَ عن الأنظار، فهكذا يصبح الطلَّاب أكثر استقلاليةً، وأقلَّ اعتماداً عليك؛ وابحث عمَّا تفعله في الصف لتؤكِّد وجودك معهم، ولا تنسَ في الوقت نفسه أنَّهم بحاجةٍ إلى التعلُّم بأنفسهم، وستكون 30 إلى 40 ثانيةً كافيةً لبثِّ الثقة في نفوسهم.
وبهذا تكون قد خرجت من عباءة التقليدية، فهنيئًا لك.
6. ساعد الطلَّاب كي يصبحوا متعلِّمين مستقلين:
إنَّ أهمَّ ركيزةٍ لنجاح (معلِّم الدقائق الخمس) هي التعاون الذي يجري بصورةٍ متصلة، لا متقطِّعة؛ وذلك لاستكمال نشاطٍ واحد (كما يجري في الفصول اليوم)؛ لأنَّه يحرِّك الدافعية الذاتية للتعلُّم، ويصنع المتعلِّمين المستقلين الذين سيمسكون بزمام تعلُّمهم بصورةٍ أكبر. في الوقت الذي يصمِّم المعلِّم الحاذق الماهر فيه درساً أقلَّ بناءً وأكثر إمتاعاً وفاعلية، ليكون الهدف التعليمي واضحاً للطلبة، ويعطيهم الحريَّة في اختيار طريقة التعلُّم.
عندما تجرِّب هذه الطريقة التعاونية، ستتيقَّن من فائدتها في تعزيز الاستقلالية الذاتية لدى الطلبة، فليس هناك من يُملي عليهم بدقةٍ ما يجبُ فِعْلُهُ طوالَ الوقت؛ لأنَّك –وبكلِّ أريحيَّةٍ وثقة– قد أتحت لهم اختيار شركائهم في المجموعات، ممَّا عزَّز لديهم الشعور بأنَّهم أعضاء حقيقيون ومؤثِّرون في الفريق، كما سيعزِّز اختيارهم للشكل النهائي الذي سيظهر به عملهم أو مشروعهم الصورةَ الإيجابيةَ لذواتهم.
وتأكَّد أنَّك قائدٌ هامٌّ جدَّاً في مكانك، ففي حال أخفَقَ الطلَّاب في الوصول إلى نتائج، يأتي دورك كمعلِّم، فتُزَوِّدُهُم بتغذيةٍ راجعةٍ مناسبةٍ تساعدهم على التركيز على تحقيق النتائج في المرة القادمة. يُغَيِّرُ الطلبة بهذه الطريقة توجُّههم، ويتفتحون ويزدهرون من خلال العمل وتصحيح المسار، وهذا درسٌ لا يقدَّر بثمن ليتعلَّموه، ولن يتحقَّق أبداً لو حدَّد المعلِّم شكل التعلُّم، والأفراد في المجموعات، وشكل النتائج المتوقَّعة.
7. طوِّرْ جعبةَ أدواتٍ تكنولوجيةٍ لنشاطاتٍ يقودُها الطلَّابُ:
ستجد عزيزي المعلِّم مجموعةً من المواقع والتطبيقات المفيدة التي ينصح بها (بارنز) في كتابه، والتي يمكن أن تعينك في بناء أدواتٍ تكنولوجيةٍ مناسبةٍ لصفِّك، إذ إنَّها تطبيقاتٌ سهلة الاستخدام ومجانية، ويستطيع الطلبة الدمج بين مميِّزاتها في وقتٍ واحد؛ مثل: فوكي (voki) وأفاتار (Avatar) وأنيموتو (Animoto) وجلوجستير (Glogster).
وهنا يكمن التحدِّي الحقيقي -الذي لابدَّ أن تواجهه- وهو ملء الصفِّ بنشاطاتٍ يقودها الطلبة، ومصادرَ يستطيعون الاختيار من بينها، والأهم: فَهْمُ كيفيةِ تحديد موقع هذه الأدوات أو إنتاجها، وكيفية تدريس التكنولوجيا المتعلِّقة بها بشكلٍ فاعلٍ ومناسب.
لا تفترض أنَّ الجيل الجديد يعرف كيف يستخدم التطبيقات التعليمية، فهذه التطبيقات بحاجةٍ لأن تُدرَّس، كما أنَّ المعلِّم يحتاج أولاً أن يعرف كيفية استخدام هذه التطبيقات والأدوات.
عليكَ كمعلِّمٍ أن تصرف أكثر ما يمكن من الوقت لتعلُّمِ استخدام الأدوات المتاحة، ومن ثمَّ تعليمها لطلَّابك. فمتى ما تمكَّن الطلبة من هذه الأدوات، فإنَّ ذلك سيساعدهم في اختيار الأداة الأنسب، وستجدهم ينغمسون في النشاطات التي يصمِّمونها لعرض نتائج التعلُّم.
في الختام:
عليك أن تعلمَ عزيزي المعلِّم أنَّ عملية التغيير تتطلَّب منك قدراً من التضحية، حتَّى تتقن تطبيق هذه الاستراتيجيات في صفِّك باحترافية، إذ ستتحوَّل الدروس التي تصمِّمها إلى دروسٍ قصيرةٍ تنسلُّ بانسيابيةٍ عبر نقاشاتٍ تقودها أنت من بعيدٍ ويكون الطالب محورها، وعبر نشاطاتٍ ومشاريع بحثيةٍ تخطِّط لها بعناية، وتستند على الطالب ليطبِّقها بشكلٍ فرديٍّ مستقل، أو بشكلٍ جماعيٍّ مشترك.
ربَّما ستقضي وقتاً كلَّ مساءٍ تقرأ كتاباً عن أحدث الطرائق في الدافعية للتعلُّم، أو الطرائق الجديدة في التعليم، أو تطّلع على أحدث الدراسات حول الدماغ وطريقة عمله، وكيف تستفيد من هذا كلِّه لمصلحة طلَّابك.
سيساعدك ذلك حتماً في خطتك الجديدة في التخلِّي عن الدور الأوحد الذي كنت تؤدِّيه كلَّ يوم، لتستعدَّ بقلبٍ قوي، وعقلٍ ذكي؛ لأداء مزيجٍ من أدوارٍ تكون فيها قائداً أحياناً، وأخرى تابعاً، أو ساحراً، أو فناناً أو ممثلاً فكاهياً؛ والأهمُّ أن تكون معلِّماً خبيراً وحكيماً لا يخشى إفساح الطريق أمام طلبته؛ ليتركهم يكتشفون التعلُّم بتدخُّلٍ قليلٍ جدَّاً منه.
وإن فاجأك أحد طلابك يوماً بقوله: "سيدي، لم أَشْعُر بمضي الوقت في هذه الحصة، على خلاف حصصٍ أخرى يمرُّ بها الوقت بطيئاً"، فتذكَّر أن تردَّ عليه كما ردَّ (مارك بارنز) يوماً على أحدِّ طلَّابه مبتسماً بثقة: "يمرُّ الوقت سريعاً حينما يكون المرء مستمتعاً".
المصدر: المقال منشور في موقع النجاح نت للمدربة سمية الشمري.